الثورة – شيرين الغاشي:
في ليلة تورينية مشحونة بالتاريخ والأضواء والضغط، كتب يانيك سينر فصلاً جديداً من أسطورته الصاعدة، حين أعاد الاعتبار لنفسه أمام خصمه كارلوس ألكاراز الذي أنهى العام متربعاً على عرش التصنيف، لكنه وجد أمامه هذه المرة إيطالياً أكثر صلابة، وأكثر نضجاً، وأكثر إصراراً على أن يثبت أن معركته لم تكن مع الجمهور، أو مع الأرقام بل مع نفسه أولاً.
سينر، العائد من موسم استثنائي، بلغ فيه ذروة اتزانه البدني والنفسي، حسم نهائي البطولة الختامية بنتيجة (7- 6) و(7-5) في ساعتين و(15) دقيقة، مقدّماً عرضاً يليق بلاعب أنهى العام بــ(58) انتصاراً، مقابل (6) هزائم فقط، و(6) ألقاب، بينها لقبان للغراند سلام، وتاج ثانٍ متتالٍ لبطولة الأساتذة الختامية، ليصل إلى (11,500) نقطة، ويوقّع واحداً من أعظم مواسم المصنف الثاني عالمياً.
المباراة جاءت مُحمّلة بإرث مواجهة طويلة بين اللاعبين؛ ألكاراز دخل النهائي وهو متقدّم (10–6 ) في السجل العام، متفوقاً في أربع من ست مواجهات هذا الموسم، بينها ثلاثة نهائيات في غراند سلام، صنعت رواية كاملة من الندية والمفاجآت.
الإسباني، الذي كان قد ضمن صدارة التصنيف العالمي، منذ بلوغه نصف النهائي، خاض اللقاء بضغط أقل، لكن بطموح أكبر، إذ كان يبحث عن لقب أول في هذه البطولة، وعن التتويج التاسع هذا العام، والخامس والعشرين في مسيرته، لكنه اصطدم بنسخة من سينر لم يسبق له رؤيتها، ثبات في الإرسال، صلابة في الارتداد، دقة في اللحظات المفصلية، وخاصة في نقطة المجموعة الأولى التي قلبت موازين الإيقاع، وأربكت مخطط ألكاراز.
سينر، الذي كان قد تلقى ضربتين قاسيتين من الإسباني هذا الموسم، في سينسيناتي، عندما انسحب متخلفاً (0–5) وفي نهائي فلاشينغ ميدوز، عاد ليحوّل ذكرياته المؤلمة إلى وقود، وبين جماهيره في تورينو، ليحقق انتصاره العاشر على التوالي في البطولة، وامتداده إلى (31) فوزاً متتالياً على الملاعب الصلبة المغلقة، مدركاً أن هذا اللقب ليس مجرد نهاية موسم، بل بداية مرحلة جديدة.
وبعد التتويج، عبّر الإيطالي عن شعور يختصر رحلته كلها حين قال: «هذا الفوز لا يمثل التنس فقط، من دون الفريق لا يمكن لكل هذا أن يحدث، إنها أفضل نهاية ممكنة لموسم طويل وصعب، أمام ألكاراز عليك أن تلعب بأفضل ما لديك، وأنا سعيد جداً بالطريقة التي تعاملت بها مع كل لحظة».
أما ألكاراز، الذي خسر اللقب، وكسب احترام عام كامل، فاختصر موسمه قائلاً: «كان رائعاً، لكنه ليس مثالياً، لكنه رائع، حققت (8) ألقاب، وبلغت (11) نهائياً، وهذا لا يصدق، لكن الأهم بالنسبة لي هو كيف أتطور كلاعب وكشخص».
وهكذا، نجح سينر في إغلاق الموسم كما يحب الأبطال، بكأس ثقيلة، وجمهور يهتف، ومنافس يعترف، ومسيرة تبدو وكأنها لا تزال في بدايتها رغم كل ما حققه، أما ألكاراز فسيغادر تورينو وهو يعلم أن الحرب لم تنتهِ، وأن هذا الصراع العابق بالمجد هو ما يمنح التنس عصراً ذهبياً جديداً، عصر عنوانه سينر وألكاراز.