ثورة أون لاين- خالد الأشهب:
ليس جديداً أو مفاجئاً، ولا هو مجهول أو ملتبس ما كشفته وثائق ويكيليكس الخاصة بالسعودية، وبالذات، الأموال والرشاوى التي تدفعها مملكة الظلام وحكامها ثمناً للذمم والضمائر الإعلامية..
ثمناً للأقلام والشاشات التلفزيونية، التي تكتب أو تزعق ليل نهار في تمجيد من لا مجد لهم أو إرث من آل سعود، وفي تجميل قبيحهم المزمن وتلوين ظلمتهم الذهنية والفكرية، بل وفي إلباسهم ما ليس من أثوابهم وتعطيرهم بما لا ينضحون به.
صحيح أن الناطق الرسمي السعودي اعترف علانية بمضمون الوثائق وادعى، محاولاً الدفاع بالهجوم، بأنها لا تكشف سراً، وبأنها تشكل الاطار العام المعروف والمعلن لسياسة مملكته، لكن الصحيح أيضاً أنه في جرائم الرشا وشراء الذمم لا يكون الراشي وحده مسؤولاً أو جانياً، بل إن مسؤولية وجناية من باع قلمه وذمته وضميره هي أكبر وأعظم، وهي أشد انحطاطاً أخلاقياً من انحطاط مسؤولية الراشي ووضاعته، خاصة عندما يدور الحديث عن ذمم وضمائر الإعلام والإعلاميين، بوصفهم جزءاً من النخبة الثقافية والمعرفية على أية حال.
فعندما يذهب الراشي أو المشتري لذمم الآخرين وضمائرهم إلى الرشوة والابتزاز، وإلى استئجار أقلام الآخرين وألسنتهم ومعارفهم وتقنياتهم الإعلامية الشخصية.. فلأنه ذو حاجة بهذا النوع من البضاعة الذهنية أولاً، ولأنه عاجز عن انتاجها أو انتاج نظير لها واقتنائه ثانياً، ولأنه، بما هو عليه من التخلف والجهالة والوضاعة معاً، غير قادر على اقناع الناس أو استمالتهم وكسب ودهم وتعاطفهم ثالثاً، وهذه كلها مواصفات سعودية بامتياز!!
غير أن المرتشي الذي باع أو أجر قلمه ومعارفه أو لسانه أو شاشته التلفزيونية لمن يدفع ويغدق المال، هو أشد انحطاطاً أخلاقياً وأكثر وضاعة.. لأنه يبيع ويساوم من موقع القوة لا من موقع العجز والحاجة، ومن موقع المدرك لأثر وخطورة ما يبيع لا من موقع الجاهل بأثر وخطورة ما يشتري، ذلك ان الإعلامي البائع مثقف وعارف ومدرك في إطار ما من التقييم!
معروف جيداً ولدى الجميع عرباً وأعاجم وأجانب وحتى سعوديين، أن ليس لدى آل سعود ما ينتجونه ولا ما يتعلمونه سواء تحت وطأة الحاجة أو تحت مظلة المبادرة.. سوى المال الوفير الآتي من ثروة تموضعت جيولوجياً تحت رمال صحرائهم، مال لا يعرفون ما يفعلون به سوى شراء أمن وأمان عروشهم أولاً، ثم هدره وتبديده في إرواء غرائزهم السفلية ثانياً، وهم حين يبتاعون الضمائر والذمم ويستأجرون الأقلام والشاشات، فإنما يدافعون عن عجزهم وجهلهم بما لا يملكون من أدوات العصر والمنطق واستخدامات العقل الغريبة عنهم!
على هذا النحو من التحليل والتعليل، فإن لأي منا أن يحصي عدداً كبيراً من وسائل الإعلام الفضائية المرئية والمسموعة، وعدداً أكبر من شخوص الإعلام ورموزه.. كلها تقبض وتعمل تحت الإبط المالي السعودي، ومن أجل حفنة من الحكام أصحاب الغرائز والشهوات الوضيعة، بمختلف أنواعها، ويكفي كلاً منا أن يجتهد قليلاً في الملاحظة والتدقيق كي يكتشف الأعاجيب في هذا المجال، فثمة وسائل إعلامية كثيرة هي في موضع الزوجات المتعددة بالنسبة إلى آل سعود، وثمة وسائل أكثر هي في موضع ملك اليمين بالنسبة إليهم، وثمة عدد ثالث منها في موضع الجواري والغلمان والخصيان… وما ينطبق على هذه الوسائل ينطبق إلى حدٍ كبير على الكثير من أصحاب القلم واللسان؟؟
وبطبيعة الحال، أي في منظور واقع الحال السعودي عامة، فإن الأغلبية الساحقة من وسائل الإعلام لا تعمل بعقل أو بإدارة سعودية.. إذ كيف للجاهل أن يضاهي صاحب العقل؟ والأغلبية الساحقة أيضاً من الإعلاميين الموالين للسعودية وحكامها ليسوا من السعوديين؟ إذ كيف لمجتمع الجهالة والغرائز أن ينجبهم أو ينتج نظيراً لهم؟ فهل من المدهش أن نلحظ هنا أن أكثرية وسائل الإعلام الموالية لآل سعود هي خارج السعودية؟ وإن أكثرية الإعلاميين الموالين لهم هم من العرب اللبنانيين والأردنيين والمغاربة وغيرهم؟؟
هي إذاً حكاية العجز الذاتي السعودي الكامل في مقابل وفرة المال السائب والقادر على شراء كل شيء.. وما أكثر الأشياء المعروضة للبيع؟! هي حكاية المخلوقات الخطأ في الزمن الخطأ وعلى الأرض الخطأ، حكاية لعنة حلت على أمة العرب في قدس اقداس أرضهم.