ثورة أون لاين – خالد الأشهب:
منذ أسابيع عديدة، وفي هذا الموقع بالذات، كنت قد كتبت أن الحديث الأميركي المتكرر عن قوات المعارضة «المعتدلة»، والاعتراف بهروب معظم من دربتهم المخابرات الأميركية منها إلى أحضان جبهة النصرة، والإصرار على البحث عن هذه المعارضة،
وكذلك غياب التعريفات الأميركية لمعاني «الاعتدال» ومدلولاته.. كل ذلك يعني، في ضوء التجربة المخابراتية الأميركية في أميركا اللاتينية، أن إدارة الرئيس أوباما قررت أن تصنع جيشاً من «الكونترا» الذي سبق أن صنعت منه عدة نسخ هناك.
اليوم، بفم ملآن ووضوح كامل، أعلن أوباما في مقابلة مع قناة (سي بي إس) الأمريكية أنه كانت لديه شكوك منذ البداية حول «إمكانية تأسيس جيش بالوكالة» في سورية، وأن غايته كانت «اختبار فكرة ما إذا كان بإمكاننا تدريب وتسليح معارضة معتدلة ترغب في محاربة داعش»!
مسؤول أميركي رفض الكشف عن اسمه كشف لـ سي إن إن، بعد اثني عشر يوماً من بدء الضربات الجوية الروسية على داعش, عن «قيام طائرات سلاح الجو الأمريكي بإسقاط 50 طنا من الذخيرة لمقاتلين من المعارضة في الحسكة. وبين المسؤول أن هذه الذخيرة تم نقلها عبر طائرة من طراز C-17s وتتكون من 112 حزمة تحتوي على ذخيرة لأسلحة خفيفة وقنابل يدوية، مؤكداً استلامها من قوات «صديقة»!!
يمكن هنا مقاربة الموقف الأميركي تجاه سورية بمثيله تجاه نيكاراغوا أيام الثورة الساندينية أواخر سبعينيات القرن الماضي، ويمكن أيضاً تفسير هذا بذاك، وخاصة بعد الحضور الروسي في سورية.. المفاجئ والمربك لأميركا، ففي نيكاراغوا كان ثمة ثورة شعبية عارمة وكانت الأغلبية الساحقة من سكانها تساند حكومة الثورة وتدعمها، ولم يكن أمام الأميركيين أي فرصة للتدخل العسكري المباشر مع ضمان نجاحه بفعل الموالاة الشعبية الساحقة لقائد الثورة الساندينية في ذلك الحين دانييل أورتيغا!
لكن أميركا لم تتراجع ولم تنسحب، بل عمدت إلى توظيف الدور المخابراتي القذر، في تشكيل ما يسمى «الكونترا» أي جيش المرتزقة من النيكاراغويين العملاء والخونة، وهؤلاء ظلوا طوال سنين ينخرون جسد الثورة وخاصرتها، ويحاولون تثبيت موضع قدم أميركية سياسية على الأقل داخل نيكاراغوا، وجرت تسميتهم في ذلك الحين «الجيش البديل»؟
في سورية اليوم، أدرك الأميركيون أيضاً أن الأغلبية الساحقة من السوريين تلتف حول دولتها ومؤسساتها وجيشها الوطني، وأن لا جدوى من تدخل عسكري أميركي مباشر، وبالتالي فإن المعارضة السورية «المعتدلة» التي يتململ الأميركيون بين تأسيسها وتدريبها تارة.. وإلغاء مشروعها والادعاء بفشلها تارة ثانية.. والعودة إلى إسقاط الذخائر لها تارة ثالثة هي الكونترا.. أي المرتزقة المخابراتية.. أي «الجيش البديل» الذي تحدث عنه أوباما، والذي سيظل الأميركيون يسعون إليه في قواعد دائمة له في تركيا والأردن حليفتي أميركا الدائمتين.. بصرف النظر عن الحرب على داعش وعن الوجود الروسي في سورية؟؟