ثورة اون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
يرمي الإرهاب- العابر منه والمقيم- بأوراقه المؤجلة في ساحات مواجهة لم تكن خارج سياق حساباته، ولا هي خارج معرفة وإدراك المنظومة السياسية الغربية، كما أنها ليست بعيدة عن معادلات الإرهاب،
ولا عن وظائفه مع أنه تم تفصيلها على مقاس الأطماع الغربية رغم مرارة تجارب البشرية مع تنظيماته بمختلف توصيفاتها أو تشكيلاتها وعلاقتها بذلك الغرب أصالة عن نفسه أو وكالة عبر غيره، وإن حضر على طاولة فيينا كورقة أملت وقفة طارئة تضاف إلى أحجيات حضوره السابقة.
هذا الكلام.. لا نتخيل للحظة أنه يغيب عن العقل الغربي، ولا هو بعيد عن حيثيات صانع القرار في الغرب، وتحديداً الأوروبي منه الذي طالما كان يشكل بالعُرف الطبيعي أحد أهم نماذج التنظير في الإرهاب بأسبابه الموضوعية والذاتية ونتائجه الآنية والمستقبلية، بل عمد بمصادره المختلفة إلى ممارسة الأستذة وأحياناً لعب دور الوصاية على الشعوب والدول الأخرى في أساليب المواجهة مع الإرهاب وما يترتب عليه من إجراءات احترازية كان الغرب يغالي في إشهارها.
الأخطر ما يُساق اليوم من استنتاجات متسرّعة يبدو أن الكثير منها لا يأخذ بالعِبر والتجارب المريرة للشعوب في معاناته من الإرهاب، وتحديداً تلك التي تعيش وَهْم اعتقاداتها الخاصة أو استنتاجات الدوائر الاحتكارية القائمة على فرضية النجاح الوهمي في توظيف الإرهاب وتحقيقها مكاسب عملية في نشر الخراب والدمار والفوضى والوصول إلى تحقيق غايات سياسية من تدمير الشعوب والدول على حدّ سواء.
فالمسألة ليست في إدانة الإرهاب رغم ضرورتها السياسية وأهمية الرسالة التي يحملها الإجماع الدولي على هذه الإدانة، بل في العمل على إعادة النظر في المقاربات الخاصة بالتعامل مع من أنتجه وموّله ولايزال يقدم الرعاية السياسية والعسكرية له، حيث الإرهاب لا يتجزأ ولا يستطيع أن يكون غير ذلك بوصفه حالة من العداء الـمُطلق للبشرية ووجهاً من وجوه الظلامية التي لا يمكن لأحد أن يكون بمنأى عنه، ولا بعيداً عن استهدافاته، وأينما وقع موجع ومؤلم لكل الدول والمجتمعات، بما فيها تلك التي دعمته ورَعته أو تحالفت مع من يدعمه ويموّله في صفقات كانت رائحة شبهتها تفوح قبل أن تُعقد.
الواضح أن الإدانة العالمية والإجماع الذي تكامل باتجاهات السياسة الدولية المختلفة يتوافق على حجر الأساس، لكنه لا يضعه في موقعه بغياب النية الجادة، والأهم أنه لا يكفي، خصوصاً في ظل الإصرار الغربي على اكتشاف متأخّر وربما هو مُزمن في تأخّره حول الإرهاب وما يحمله وما ينتج عنه، وحتى هذه اللحظة لم تخرج أكثر المقاربات الغربية عن نمطيتها المعتادة في مثل هذه الحالة والتي هي أقرب إلى حالة انفعالية سرعان ما تطويها بعد حين موجة الغرق في النفاق حيال المواجهة مع الإرهاب.
فحالة الاستنفار السياسي والأمني لا تعني تغييراً في النمطية وتشديد الإجراءات لا تعني مراجعة سياسية حقيقية، بقدر ما تعكس مراوحة في المكان، وعودة إلى ردّة فعل مغرقة في تقليديتها، فيما المواقف السياسية ومقاربة ما نتج عن الإرهاب لا تزال في طور الاجترار أكثر مما هي في حقبة التحول باتجاه محاكاة السياسة الغربية، بما فيها إعادة مراجعة سياستها التي تبدو بنظر القريب والبعيد مسؤولة وبشكل مباشر عمّا وصلت إليه الأمور.
يستطيع وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن يجادل في نفاقه وأن يكتشف المكتشف، حين يقر بأن هدف الإرهاب هو نشر الفوضى في العالم، وهو الذي بدا عاجزاً عن التفوّه ولو بكلمة واحدة ترتقي إلى مستوى ما تستدعيه جثامة الاعتداء الإرهابي في فرنسا، حيث لا أحد في العالم بمقدوره أن ينسى أو يتجاهل دور أميركا ومعها حلفاؤها وأدواتها في استخدام الإرهاب لنشر الفوضى والخراب في المنطقة، بدءاً من تمويله وليس انتهاء بتسليحه وصولاً إلى رعايته واحتضان طرق عبوره ومروراً بصفقات غضّ الطرف عن خطواته.
الإرهاب الذي أوجع فرنسا وقبلها مناطق مختلفة من العالم، والذي يوجع سورية والمنطقة منذ خمس سنوات ونيّف، وكان قد أوجعها في الماضي قبل عقود مرّت، تقوده أنظمة ودول غارقة في تبنّيه ودعمه ومتورطة في علاقة المسار والمصير معه، وكما هي الدعوات لحرب لا هوادة فيها مع الإرهاب وتنظيماته، نجزم بأن العالم مطالب بمواجهة لا حدود لها مع الداعمين والمموّلين والراعين والحاضنين، وربما كانت أجدى وأكثر فعالية أو على الأقل تشكل المقدمة الضرورية لأي جهد حقيقي يمكن له أن يجتث الإرهاب من خلال تجفيف منابع تمويله القادمة من تلك الدول، وفي مقدمتها وقف صفقات التسليح كبادرة تظهر حُسن الجدية، ويقطع شرايين رعايته ومواطن توظيفه السياسي، ودابر وجوده حيثما كان وأينما اتجه أو حاول أن يتجه..
الإرهاب.. مرة أخرى هو آفّة أو وباء كما جاء في التوصيف الغربي، ونجزم أن من موّله ودعمه من دول إقليمية وأن من غضّ الطرف عنه من حكومات خارج المنطقة هو أيضا جزء من تلك الآفّة أو الوباء، يحتاج إلى محاصرة وعزل ومن ثم اجتثاث حاله في ذلك حال الإرهاب.. ويمكن لفيينا بنسخه المتعددة أن يكون مدخلاً أو منصّة اختبار للنيّات لو تمكن من فرض أولوية مكافحة الإرهاب …!!
a.ka667@yahoo.com