ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
ما تحرّجت الخارجية الأميركية منه وأخفته في موقفها من التصعيد السعودي ضد إيران، ربما تكفّل به الرئيس أوباما وأفصح عنه في خطاب حال الاتحاد من مواقف لا تقتصر على ما يخص ذلك التصعيد واعتباره في آخر الاهتمامات أو في ذيل الأولويات الأميركية،
وإنما يشمل العديد من القضايا في المنطقة وخارجها، التي بدا فيها الموقف الأميركي متثائباً وحيادياً متخماً بسلبيته، بما فيها تلك التي تدفع المنطقة إلى الهاوية.
فالخطر الإرهابي الذي يمثله «داعش» لا يصل إلى مرتبة «الوجودي»، بنظر أوباما، في وقت تحدث فيه رئيس استخباراته عن عقدين من الصراع للقضاء عليه، بما يعنيه أن على العالم أن يتحضّر لجولات صراع لا تقف عند حدود ما تمثله المواجهة مع «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية، بل تشمل أيضاً عقداً آخر من الصراعات التي ستنمو على هوامشه، أو تُشتَق من صلب المواجهة معه، بحكم أن هناك تعويلاً ورهاناً إقليمياً.. وربما عالمياً على الاستثمار في الإرهاب الذي يمثله «داعش»، كما تم الاستثمار فيما سبقه من تنظيمات وإرهاب.
على هذا النحو تقدم أميركا المقاربة الحقيقية التي تجسدت في عملية إدارة الخراب والدمار في المنطقة، الناتج في معظمه -إن لم يكن في كله- من الإرهاب واستطالاته والتعويل عليه أو الرهان على ما ينتجه وما يراكمه، وهو ما سيكون بالمنطوق نفسه في إدارة ما ينتج من صراعات يحركها الإرهاب ذاته، والاستثمار فيها حتى تلك التي تكون الأدوات الأميركية طرفاً فيها أو مؤججة لها، حيث لا فرق لدى أميركا بوقود تلك النار ومن تأكل، ما دام «داعش» لا يمثل خطراً وجودياً، والحروب الناتجة والصراعات القائمة لا تشكل إضراراً بمصالحها ولا بأطماعها.
ببساطة شديدة، تريد أميركا أن تقنعنا بأن ما تقوم به السعودية من جنون سياسي ومجون وعربدة عسكرية هو مجرد من لغة الإيحاء الأميركي، أو هو بعيد عن رغباتها، أو أنه لا يحمل ضوءاً أميركياً أخضر وبشكل مسبق، وببساطة أكثر.. يريد أوباما في خطابه أن يوحي بأن حقبة الأحادية الأميركية لم تصل بعد إلى نهاياتها، وأن لغة النعي الجليّة والواضحة في أبسط عباراتها -وإن لم يتعمدها- تحدثت عن مقاربات تساوي بين الأدوات والتابعين، وبين الخصوم و«المتمردين» على السياسة الأميركية!!
لا أحد لديه شك بأن حقبة الأحادية الأميركية وصلت إلى تلك النهايات أو كادت، وأن الصيغ المعتمدة شكلاً ومضموناً لم تعد قادرة على الإمساك بخيوط المشهد الدولي منفردة ومن دون أن ينازعها أحد عليها، حيث هناك شركاء على المسرح العالمي، انتزعوا عنوة الكثير من مفاتيح القرار الدولي، والكثير من أوراق الحلّ والربط في معظم القضايا، لكن هذا لا يعني أبداً أن أميركا قبلت طوعاً بذلك أو أنها أقرّت به، بقدر ما يَشي بأنها تعيد تدوير الزوايا بطريقة مكافئة لمساحة النفاق التي أدارت فيها حقبة انفرادها بالنظام العالمي القائم، وما كانت تعمله أصالة عن نفسها أوكلته لسواها، فيما الإضافات التي تبدو على شكل استطالات مَرضية لأدواتها تتأقلم معها أميركا، وهي بالأساس متفق عليها مسبقاً ما دامت تخدم استراتيجية إدارة ما ينتج.
فلم يعد مستغرباً ألا يكون التصعيد السعودي ضد إيران في قائمة أولويات الخارجية الأميركية بمعناه الحرفي، ولا مستهجناً أن يمضي أوباما في خطابه إلى حدّ الخلط بين من يقف في طابور الانتظار ليكون تابعاً، وبين من يخوض صراعاً يمتد منذ عقود لكي يبقى خارج نطاق هيمنته، والأخطر ما ستفصح عنه الأيام القادمة أو الأشهر على أبعد تقدير.
أميركا تُشهر أوراق نفاقها لحقبة الانزواء أو الابتعاد عن خندق المواجهة المباشرة، وتكتفي بإدارة الحروب والصراعات، أو تقصر وجودها على إدارة ما ينتج عنها و«شرطي العالم» يزعم اعتزاله أو الإحالة إلى التقاعد، دون أن يتنازل عن نفاقه، مما يعني حقبة موازية من التورم الإضافي، وتُشهر معها نفاقها لنشهد تورّماً إضافياً في تلك الاستطالات الـمَرضية لأدوات وتابعين ومراهقين.. وصِبيَة سياسة.. ومنتحلي صفة ورعونة وعربدة وتهوّر وطيش، مدفوعة بخيط أميركي ممدود حتى آخره. لكن في النتائج.. ثمة معايرة مختلفة، مع وضع إحالته إلى التقاعد موضع التنفيذ ولو الشكلي وهي ليست ذاتها قبل الإشهار، ولا تتلاقى مع بنك أهدافها، بل معادلات تُمليها حقائق السياسة التي حددتها متغيرات المشهد العالمي وقواه الفاعلة، ومحاوره المتشكلة بعيداً عن لغة النفاق، في حسابات تفرضها خصائص المواجهة المفتوحة والجبهات المشتعلة وحتمية الانتصار على الإرهاب ومن يستثمر فيه، ومن دون أن تأخذ بالروزنامة الأميركية وبعقود الصراع الذي تبشّر به فرضيات «شرطي العالم».
a.ka667@yahoo.com