الدكتور عدنان مصطفى بيلونة:
بادئ ذي بدء لا بد من تسليط الضوء على بعضٍ من جوانب شخصية مفجر الثورة الإسلامية في إيران الإمام الخميني (رحمه الله) قبل الحديث عن دور هذه الشخصية التاريخية العظيمة تجاه فلسطين وقضايانا العادلة.
إن شخصية الإمام الآسرة للعقول والقلوب لم تأتِ من كونه مناضلاً إنسانياً عظيماً؛ أو ثائراً إسلامياً وصانعاً للتاريخ؛ أو قائداً استثنائياً في زمن التنازلات والتبعية المذلة فحسب؛ فثمة جوانب كافية في كينونتها لإثارة الإعجاب والتأمل، فقد كان إلى جانب كل هذا وذاك باحثاً محقِّـقاً ألَّف أكثر من سبعين كتاباً، ورغم ظروفه الجهادية القاسية وما تعرض له من سجن ونفي؛ كان يتابع نشاطه العلمي والبحثي حتى في أصعب المراحل وأخطرها في حياته، وهو أيضاً الفيلسوف والعارف والفقيه المتبحِّر، والشاعر المبدع في العشق الإلهي؛ الذي نهلَ من معين كبار شعراء العرفان الإيرانيين من أمثال جلال الدين الرومي، وسعدي الشيرازي، وحافظ الشيرازي، والعطار النيسابوري وغيرهم.. وظل ينظم الشعر حتى أواخر أيامه.
وإلى جانب ذلك كله كان سماحته قائداً استثنائياً ذا رؤيةٍ استراتيجية سديدة، فحتى في أثناء الحرب الظالمة المفروضة، وفي أثناء المواجهات الشديدة ضد قوى البغي والعدوان والاستكبار لم يضيِّع البوصلة الإسلامية والإنسانية، وكان يدير معاركه بحنكة السياسي المخضرم والقائد الاستراتيجي الفذ الذي يعرف كيف يوظف صبره الاستراتيجي؛ الذي هو صبر القادر لا صبر العاجز، وكان يجمع الفطنة والحكمة ويستشرف آفاق المستقبل؛ من خلال رؤيته النافذة للواقع ومتغيراته، فمن المعروف أن الدولة الإيرانية في عهد الشاه محمد رضا بهلوي (1919-1980م) والذي حكم إيران نحو أربعين سنة كان تابعاً بسياسته إلى دول الغرب بشكل عام، وإلى الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص، حيث نقل الإمام (طيب الله ثراه) إيران من إطار التبعية إلى صميم الحرية والاستقلال، واستطاع أن يطلق قرارها من ربقة العبودية إلى مفهوم السيادة الوطنية، وأن يخلِّصَ شعبه الأبي من نير القمع والاستبداد.
فبعد انتصار الثورة مباشرة شرعت الدولة الإيرانية بترتيب بيتها الداخلي، وواصلت حراكها السياسي الوطني وفق معايير الديمقراطية المستمدة من أفكاره كمرشدٍ أعلى للثورة، وعلى الصعيد الخارجي كان سماحته مناهضاً لكل أشكال الاستعمار والاستكبار والصهيونية العالمية وغدَّتها السرطانية في منطقة الشرق الأوسط المتمثِّلة بالكيان الصهيوني المجرم، حيث كانت القضية الفلسطينية في صُلب اهتمام هذا القائد العظيم, وكانت شغله الشاغل، حيث قدَّم كل أشكال الدعم المادي والمعنوي للمقاومة الفلسطينية بكل فصائلها وشقيقتها المقاومة الإسلامية اللبنانية المقاوِمة للوجود الصهيوني وكيانه المصطنع في فلسطين.
وتبنَّى هذا النهج المقاوم للمشروع الصهيوني فأسسه وسار عليه القادة الإيرانيون من بعده، فالقادة العظام هم الذين يتبنُّون القضايا العظيمة ويدعمونها لإثبات عدالتها ورفع الضيم والظلم عن أصحابها، والعمل على إعادة حقوقهم الشرعية دون نقصان، ويحضرني في هذا المقام بيان أصدره الإمام (طيب الله ثراه) إثر اتفاق القاهرة الشهير عام 1964م حيث ناقش العرب في مؤتمرهم مسألة تحويل مجرى مياه نهر الأردن فقال: (إنني أسائلُ نفسي لماذا تنازعون إسرائيل على نهر الأردن.. إن فلسطين كلها مغتصبة، فاعملوا على إخراج اليهود منها أيها المتشاغلون بأنفسكم).
وبالعودة إلى عام 1961 فقد حذَّر الإمام من الخطر الذي يهدد إيران والأمة الإسلامية بشكل عام من مؤامرات الصهيونية حيث قال: “إنني وانطلاقاً من مسؤوليتي الشرعية ألفتُ أنظار الشعب الإيراني والمسلمين في العالم إلى الأخطار التي تحدق بالإسلام والقرآن.. إن استقلال البلاد واقتصادها عُـرضة للسقوط في قبضة الصهاينة”، وفي عام 1962م أكَّد الإمام (رحمه الله) خطورة بناء أي نوع من العلاقات مع الكيان الصهيوني فقال: “إنني أعلن لجميع زعماء البلدان الإسلامية والعربية بأن علماء المسلمين والمراجع والشعب الإيراني المؤمن، والجيش الإيراني النبيل هم إخوة لكل المسلمين، يشاركونهم في السرَّاء والضرَّاء، وأنهم يشجبون ويستنكرون التحالف مع إسرائيل عدوة الإسلام وعدوة إيران.. لقد أعلنتُ هذا الأمر بمنتهى الصراحة، وليبادر عملاء إسرائيل بإنهاء حياتي”.
ولا شك أن مواقف الإمام الخميني (طيب الله ثراه) تجاه فلسطين، ورؤيته لدولة الاحتلال الصهيوني كغدة سرطانية يجب إزالتها هي مواقف معروفة لكل من كان له شرف الاطلاع على سيرته النضالية، وهي أكثر من أن تُحصى في بحث أو مقال، فعلى سبيل المثال؛ في عام 1968صرّح الإمام: “كنت قد ذكرت سابقاً أن إقامة إسرائيل الغاصبة خطر عظيم على الإسلام، وأخشى أن يهمل المسلمون هذا الكيان ويضيعوا الفرصة من بين أيديهم، وبعد ذلك لا يمكنهم فعل شيء، فعلى سائر المسلمين عموماً أن يقتلعوا
الغرض”.
ومع انتصار الثورة بقيادة هذا الإمام العظيم تمَّ تحويل سفارة الكيان الصهيوني في طهران إلى سفارة للفلسطينيين واعتبر في استراتيجيته النضالية تحرير القدس واجباً دينياً وجعله فرض عين على كل مسلم و قضية مركزية لكل المسلمين الشرفاء وحدّد الجمعة الأخيرة من شهر رمضان يوماً عالمياً للقدس.
وبسبب خروج بعض المسؤولين الفلسطينيين عن ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية و جريهم وراء أطروحات المصالحة الكاذبة والسلام المزيف والتطبيع الذي يخدم المشروع الصهيوني وجَّه الإمام حديثه إلى قادة منظمة التحرير الفلسطينية ومسؤوليها قائلاً: “إنني أنصح الزعماء الفلسطينيين أن يكفُّوا عن الزيارات والتنقلات وأن يعبِّئوا شعبهم بالاتكال على الله، ويسدِّدوا أسلحتهم لمحاربة إسرائيل حتى الموت، وإن هذه الزيارات تؤدي إلى أن تفقد الشعوب المناضلة أملها فيهم”، ولكن لم يستمع مسؤولو المنظمة لكلام وتوجيهات الإمام الخميني (رحمه الله)، ولم يحققوا شيئاً يذكر على صعيد قضيتهم، حتى اتفاق (أوسلو) الهزيل عام 1994 نسفه الصهاينة؛ بل قاد الفلسطينيين إلى سلسلةٍ من الكوارث مازالت مستمرة حتى الآن، ويحضرني في هذا المقام تحذير الراحل الكبير الأب المؤسس حافظ الأسد (طيب الله ثراه) لياسر عرفات عقب- توقيع هذا الاتفاق عندما قال له :”أبا عمَّار.. إن كل بند في هذا الاتفاق بحاجة إلى اتفاق آخر.. إنك تسير في نفقٍ مظلم وخطير”، وأعتقد أن مبادرة ياسر عرفات ومن قبله السادات والملك حسين في عقد اتفاقيات الصلح التي هي في الواقع اتفاقيات استسلام قادت إلى جرِّ قسم كبير من العرب إلى الحظيرة الصهيونية عبر التطبيع الذي تحوَّل إلى تطويع لهم لخدمة الكيان الصهيوني، فكم كانت رؤية الإمام الخميني صائبةً عندما قال :”إسرائيل غدَّة سرطانية يجب أن تزول”.
الدكتور عدنان مصطفى بيلونة:
بادئ ذي بدء لا بد من تسليط الضوء على بعضٍ من جوانب شخصية مفجر الثورة الإسلامية في إيران الإمام الخميني (رحمه الله) قبل الحديث عن دور هذه الشخصية التاريخية العظيمة تجاه فلسطين وقضايانا العادلة.
إن شخصية الإمام الآسرة للعقول والقلوب لم تأتِ من كونه مناضلاً إنسانياً عظيماً؛ أو ثائراً إسلامياً وصانعاً للتاريخ؛ أو قائداً استثنائياً في زمن التنازلات والتبعية المذلة فحسب؛ فثمة جوانب كافية في كينونتها لإثارة الإعجاب والتأمل، فقد كان إلى جانب كل هذا وذاك باحثاً محقِّـقاً ألَّف أكثر من سبعين كتاباً، ورغم ظروفه الجهادية القاسية وما تعرض له من سجن ونفي؛ كان يتابع نشاطه العلمي والبحثي حتى في أصعب المراحل وأخطرها في حياته، وهو أيضاً الفيلسوف والعارف والفقيه المتبحِّر، والشاعر المبدع في العشق الإلهي؛ الذي نهلَ من معين كبار شعراء العرفان الإيرانيين من أمثال جلال الدين الرومي، وسعدي الشيرازي، وحافظ الشيرازي، والعطار النيسابوري وغيرهم.. وظل ينظم الشعر حتى أواخر أيامه.
وإلى جانب ذلك كله كان سماحته قائداً استثنائياً ذا رؤيةٍ استراتيجية سديدة، فحتى في أثناء الحرب الظالمة المفروضة، وفي أثناء المواجهات الشديدة ضد قوى البغي والعدوان والاستكبار لم يضيِّع البوصلة الإسلامية والإنسانية، وكان يدير معاركه بحنكة السياسي المخضرم والقائد الاستراتيجي الفذ الذي يعرف كيف يوظف صبره الاستراتيجي؛ الذي هو صبر القادر لا صبر العاجز، وكان يجمع الفطنة والحكمة ويستشرف آفاق المستقبل؛ من خلال رؤيته النافذة للواقع ومتغيراته، فمن المعروف أن الدولة الإيرانية في عهد الشاه محمد رضا بهلوي (1919-1980م) والذي حكم إيران نحو أربعين سنة كان تابعاً بسياسته إلى دول الغرب بشكل عام، وإلى الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص، حيث نقل الإمام (طيب الله ثراه) إيران من إطار التبعية إلى صميم الحرية والاستقلال، واستطاع أن يطلق قرارها من ربقة العبودية إلى مفهوم السيادة الوطنية، وأن يخلِّصَ شعبه الأبي من نير القمع والاستبداد.
فبعد انتصار الثورة مباشرة شرعت الدولة الإيرانية بترتيب بيتها الداخلي، وواصلت حراكها السياسي الوطني وفق معايير الديمقراطية المستمدة من أفكاره كمرشدٍ أعلى للثورة، وعلى الصعيد الخارجي كان سماحته مناهضاً لكل أشكال الاستعمار والاستكبار والصهيونية العالمية وغدَّتها السرطانية في منطقة الشرق الأوسط المتمثِّلة بالكيان الصهيوني المجرم، حيث كانت القضية الفلسطينية في صُلب اهتمام هذا القائد العظيم, وكانت شغله الشاغل، حيث قدَّم كل أشكال الدعم المادي والمعنوي للمقاومة الفلسطينية بكل فصائلها وشقيقتها المقاومة الإسلامية اللبنانية المقاوِمة للوجود الصهيوني وكيانه المصطنع في فلسطين.
وتبنَّى هذا النهج المقاوم للمشروع الصهيوني فأسسه وسار عليه القادة الإيرانيون من بعده، فالقادة العظام هم الذين يتبنُّون القضايا العظيمة ويدعمونها لإثبات عدالتها ورفع الضيم والظلم عن أصحابها، والعمل على إعادة حقوقهم الشرعية دون نقصان، ويحضرني في هذا المقام بيان أصدره الإمام (طيب الله ثراه) إثر اتفاق القاهرة الشهير عام 1964م حيث ناقش العرب في مؤتمرهم مسألة تحويل مجرى مياه نهر الأردن فقال: (إنني أسائلُ نفسي لماذا تنازعون إسرائيل على نهر الأردن.. إن فلسطين كلها مغتصبة، فاعملوا على إخراج اليهود منها أيها المتشاغلون بأنفسكم).
وبالعودة إلى عام 1961 فقد حذَّر الإمام من الخطر الذي يهدد إيران والأمة الإسلامية بشكل عام من مؤامرات الصهيونية حيث قال: “إنني وانطلاقاً من مسؤوليتي الشرعية ألفتُ أنظار الشعب الإيراني والمسلمين في العالم إلى الأخطار التي تحدق بالإسلام والقرآن.. إن استقلال البلاد واقتصادها عُـرضة للسقوط في قبضة الصهاينة”، وفي عام 1962م أكَّد الإمام (رحمه الله) خطورة بناء أي نوع من العلاقات مع الكيان الصهيوني فقال: “إنني أعلن لجميع زعماء البلدان الإسلامية والعربية بأن علماء المسلمين والمراجع والشعب الإيراني المؤمن، والجيش الإيراني النبيل هم إخوة لكل المسلمين، يشاركونهم في السرَّاء والضرَّاء، وأنهم يشجبون ويستنكرون التحالف مع إسرائيل عدوة الإسلام وعدوة إيران.. لقد أعلنتُ هذا الأمر بمنتهى الصراحة، وليبادر عملاء إسرائيل بإنهاء حياتي”.
ولا شك أن مواقف الإمام الخميني (طيب الله ثراه) تجاه فلسطين، ورؤيته لدولة الاحتلال الصهيوني كغدة سرطانية يجب إزالتها هي مواقف معروفة لكل من كان له شرف الاطلاع على سيرته النضالية، وهي أكثر من أن تُحصى في بحث أو مقال، فعلى سبيل المثال؛ في عام 1968صرّح الإمام: “كنت قد ذكرت سابقاً أن إقامة إسرائيل الغاصبة خطر عظيم على الإسلام، وأخشى أن يهمل المسلمون هذا الكيان ويضيعوا الفرصة من بين أيديهم، وبعد ذلك لا يمكنهم فعل شيء، فعلى سائر المسلمين عموماً أن يقتلعوا جرثومة الفساد هذه بأي نحوٍ كان، وألَّا يقصِّروا في مساعدة العاملين لهذا
علي اسماعيل, [٠٤/٠٦/٢٠٢٢ ٠٢:٣٣ م]
[Forwarded from Maream …]
الغرض”.
ومع انتصار الثورة بقيادة هذا الإمام العظيم تمَّ تحويل سفارة الكيان الصهيوني في طهران إلى سفارة للفلسطينيين واعتبر في استراتيجيته النضالية تحرير القدس واجباً دينياً وجعله فرض عين على كل مسلم و قضية مركزية لكل المسلمين الشرفاء وحدّد الجمعة الأخيرة من شهر رمضان يوماً عالمياً للقدس.
وبسبب خروج بعض المسؤولين الفلسطينيين عن ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية و جريهم وراء أطروحات المصالحة الكاذبة والسلام المزيف والتطبيع الذي يخدم المشروع الصهيوني وجَّه الإمام حديثه إلى قادة منظمة التحرير الفلسطينية ومسؤوليها قائلاً: “إنني أنصح الزعماء الفلسطينيين أن يكفُّوا عن الزيارات والتنقلات وأن يعبِّئوا شعبهم بالاتكال على الله، ويسدِّدوا أسلحتهم لمحاربة إسرائيل حتى الموت، وإن هذه الزيارات تؤدي إلى أن تفقد الشعوب المناضلة أملها فيهم”، ولكن لم يستمع مسؤولو المنظمة لكلام وتوجيهات الإمام الخميني (رحمه الله)، ولم يحققوا شيئاً يذكر على صعيد قضيتهم، حتى اتفاق (أوسلو) الهزيل عام 1994 نسفه الصهاينة؛ بل قاد الفلسطينيين إلى سلسلةٍ من الكوارث مازالت مستمرة حتى الآن، ويحضرني في هذا المقام تحذير الراحل الكبير الأب المؤسس حافظ الأسد (طيب الله ثراه) لياسر عرفات عقب- توقيع هذا الاتفاق عندما قال له :”أبا عمَّار.. إن كل بند في هذا الاتفاق بحاجة إلى اتفاق آخر.. إنك تسير في نفقٍ مظلم وخطير”، وأعتقد أن مبادرة ياسر عرفات ومن قبله السادات والملك حسين في عقد اتفاقيات الصلح التي هي في الواقع اتفاقيات استسلام قادت إلى جرِّ قسم كبير من العرب إلى الحظيرة الصهيونية عبر التطبيع الذي تحوَّل إلى تطويع لهم لخدمة الكيان الصهيوني، فكم كانت رؤية الإمام الخميني صائبةً عندما قال :”إسرائيل غدَّة سرطانية يجب أن تزول”.