رغم كل الإمكانيات والخبرات العلمية والتقنية لدى الكثير من المعنيين بالأسواق وحتى المراقبين والاقتصاديين وغيرهم من المنظرين، إلا أنه حتى الآن لم يستطع أحد أن يفك طلاسم لغة الأسواق المحلية لدينا.
فمرة يتم اعتماد مفردات العرض والطلب كمؤثرين مباشرين في حركة الأسواق والأسعار، ومرة يكون سعر الصرف هو العامل المباشر الذي أدى إلى ارتفاع الأسعار، وإذا لم يكن هذان العاملان فإن مبررات ثالثة ورابعة تكون حاضرة للحديث عن التغيرات المناخية وتراجع الأمطار وحرارة الجو، كذلك بالنسبة للظروف الأمنية وتداعيات العدوان الحاصل على سورية من سنوات وهكذا..
فإن غاب عامل حل محله عامل ثان بكل سهولة ويسر وبرز بوصفه صاحب الأثر الأكبر في تحرك الأسعار صعوداً وندرة مادة ما أحياناً وغيابها عن الأسواق إلى حين يقرر موردها أن يفرج عن القليل منها بعد أن يكون رفع أسعارها عدة أضعاف..
اليوم ورغم جرعة التفاؤل التي بدأ المستهلك يشعر بها بعد التراجع الملحوظ بأسعار الخضار (الصيفية) في بعض الأسواق وليس كلها، وكذلك تراجع أسعار الفروج والبيض متأثرين بحلول موسم الصيف وارتفاع درجات الحرارة، إلا أنه سرعان ما خاب ظنه الحسن بقرب انفراجات على طيف واسع من المنتجات وخاصة الغذائية، إلا أن المفاجأة بددت كل ذلك التفاؤل بعد أن قفز سعر السكر عن مستوياته التي كان عليها بحدود ألف ليرة للكيلو الواحد ليستقر عند 4300-4500 للكيلو، بعد أن كان بحدود 3500 ليرة قبل أسبوع.. كذلك الأمر مع الزيوت والسمون النباتية والحيوانية وبعض المواد الغذائية الأساسية.
الغريب في الأمر أن باعة المفرق يقرون بأن هناك حالة (احتكار) واضحة في الأسواق حيث إن الكثير منهم قالوا إننا نطلب كميات من المواد إلا أننا بالكاد نحصل على 10% من الطلبية وخاصة فيما يتعلق بالسكر والزيت والسمون، وهذا الأمر يقلل المعروض في السوق وبالتالي يرفع الأسعار..
إذاً من يمسك بخيوط الأسواق ويتحكم بها صعوداً وصعوداً… هو نفسه من يورد تلك المواد ويطرحها (بالقطارة) بالأسواق ليبقى ممسكاً بزمام (العرض والطلب) الذي لطالما تلطى خلفه الكثير من الموردين وتحدثوا عنه كواحد من العوامل الأساسية في ارتفاع الأسعار..
ورغم كل ما شهدته البلاد من أهوال الحرب العدوانية وتداعياتها وظروفها التي أنهكت معظم الشرائح، إلا أنه لا يزال هناك من يجد في هذه الظروف بيئة خصبة للانتفاع والإثراء (المشروع) على حساب المواطنين الذين باتوا عاجزين أمام التدهور الحاصل في مستويات معيشتهم، فمع كل ارتفاع بأسعار السكر يرتفع عند بعضهم السكري والضغط وتهاجم الجلطات والخثرات الدموية أوعية وشرايين الكثيرين ممن لم يعودوا يحتملون اضطرابات الأسواق التي أدت إلى اضطرابات صحية أودت بحياة الكثيرين.