حين فتحت حاسوبها القديم، فوجئت بكل تلك الأغنيات التي احتفظت بها، أكثر من عشر سنوات مضت من دون أن تستمع إليها.
فيما مضى، كانت تحلّق مع نجاة وفايزة أحمد، مع أم كلثوم وعبد الحليم.. بل حتى مع أغنيات إديث بياف وداليدا، إذ لطالما امتلكت شغفاً بالأغنيات الفرنسية، ودرست سنوات عدة في المركز الثقافي الفرنسي بدمشق كي تتمكن من فهمها، لطالما راودها حلم السفر إلى فرنسا، واستكشاف تلك الأماكن التي شكّلت علامات فارقة في حياة المغنيتين، كما رأتها في أفلام صنعت لتحكي عن سيرتهما.
حين كانت تصنع قهوتها وتستمع لأغنية في منزلها الواسع، كان كل شيء يبدو طبيعياً، حيّاً.
لكنها فقدت هذا المنزل مع توقف استماعها للأغاني.
وحين تزوره اليوم، يبدو كأحد مخلفات الحرب.
تلك اللحظات، قبل انطلاقها في الشوارع التي اعتادتها، كانت بمثابة فرصة لشحن الذات، ولتجديد طاقتها النفسية، قبل أن تغوص في زحام الحياة واستنزافها اللا متناهي.
تفاصيل صغيرة كانت تصنع فرقاً في يومها.. ربما زيارة إلى المول وتناول بعض البيتزا، أو شراء لباس معين، التقاط صورة، حديث عابر مع الأصدقاء، أو حتى اتصال هاتفي مبهج.. لكن مع مرور الوقت، لم تعد تلك التفاصيل تحرّض على سعادة صغيرة عابرة، كأن هناك سدّاً.. غصة.. صخرة رابضة على صدرها تجعل من الفرح أمراً بعيد المنال. والأغرب، أنه حين تغيّرت الأمكنة، والوجوه، والمواعيد، وحين انطلقت على غير هدى، بلا خطط مسبقة، كأنها طائر يطارد اللحظات ويحفّز نفسه على اكتشاف شيء نادر.. عادت إليها الروح، وبدأ كل شيء يتبدّل، صارت الأغنيات التي ابتعدت عنها طويلاً قادرة على إعادة الرونق لروحها التي تاهت وسط الخراب. وحين التقطتها ثانية، لن تفلتها، فهي باتت تدرك الآن كيف تصنع سعادتها الصغيرة من أبسط الأشياء، وتعرف تماماً كيف تلتقطها، حتى لو كانت في عمق المعاناة.