ميساء العلي:
في العام 2011 كانت اعتمادات الموازنة العامة للدولة 835 مليار ليرة، واليوم تم تحديد اعتمادات الموازنة العامة للدولة للعام 2023 بمبلغ 16550 مليار ليرة.
قد يقرأ البعض أن الموازنة ارتفعت بشكل كبير خلال السنوات العشر الماضية لتصل إلى هذا الرقم، لكن ذلك التضاعف كان كرقم حسابي وليس كقيمة حقيقية، بمعنى أن التضخم وصل إلى حد كبير مع عجز بالموازنة اعترفت به وزارة المالية خلال السنوات القليلة الماضية وردته إلى ظروف الحرب والدمار وتوقف حركة الإنتاج.
اليوم وبحسب التصريحات المالية هناك تحسن بالإيرادات وهو مؤشر على حد تعبيرها على دوران عجلة الإنتاج، لكن يبقى السؤال الأهم؟ كيف ستؤمن وزارة المالية تلك الموارد لموازنة العام القادم والتي وصفها البعض بالتضخمية وأنها مجرد أمنيات كان من المفترض أن تكون مبنية على معطيات واقعية وعلى استشراف مستقبلي لأرقام الإيرادات العامة التي يمكن أن تحصلها السلطة النقدية وكذلك النفقات العامة التي ينتظر أن تنفقها ضمن قنوات الأنفاق المعهودة.
تمنيات
أستاذ المحاسبة في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور ابراهيم عدي قال في حديث خاص للثورة إن الموازنة بحد ذاتها هي تمنيات الحكومة للعام القادم بل هي خطة مالية سنوية للحكومة بما تتمنى أن ينفق في العام القادم وليس ما سيتم إنفاقه وهنا المشكلة، فاعتمادات موازنة العام القادم المقدرة بـ 16550 مليار ليرة هي ما تخطط الحكومة لإنفاقه العام القادم.. وضرب عدي مثالا تعليميا مفاده أن أي أستاذ جامعي في كلية الاقتصاد يبدأ بتعليم طلابه كيف يجمعون المال لكي يفكروا بمشروع ما، على عكس الحكومة لدينا تفكر ماذا ستفعل قبل تأمين الإيرادات لذلك؟
وبحسب عدي فإن تمنيات وطموحات الحكومة كثيرة لكن الإمكانيات محدودة، مشيراً إلى أن مبلغ الموازنة كبير قياساً لموازنة العام الماضي بزيادة تصل إلى الربع وعادة يجب أن تكون التغييرات بسيطة تتراوح ما بين 5 إلى 10%.
والسؤال الذي يحتاج للإجابة عنه من أين سيتم تأمين تلك الموارد بوجود مشكلة أكبر تتعلق بالعملية الإنتاجية التي من المفترض أن تدور بشكل أكبر مما عليه حاليا كونها الحل الوحيد لتأمين الإيرادات.
ولفت إلى أن بند الانفاق الاستثماري قليل نسبياً وهو أقل من خمس الموازنة وتأثيره بسيط على العملية الإنتاجية وقد تكون تلك المشاريع غير إنتاجية، مشيراً إلى أهمية إيلاء القطاع الزراعي الدعم الأكبر، فكيف نستطيع الانتقال بالقطاع الزراعي بتلك الاعتمادات المرصودة له، في حين نرى صرف مئات المليارات على الاستثمار السياحي، فالأولوية للزراعة ومن ثم التصنيع الزراعي فالصناعة.
اصلاح ضريبي
وقال عدي إن أهم مطرح لتأمين تلك الإيرادات ستكون من الضرائب لكن يجب أن يكون هناك اصلاحات ضريبية حقيقية فنحن من خمس سنوات نتحدث عن اصلاح ضريبي وهذا الإصلاح لا يتحقق بالاستعلام الضريبي بل عن طريق نظام ضريبي عادل يراعي جميع الأطراف لتأمين موارد لخزينة الدولة، بحيث يتم فرض ضرائب على مطارح ضريبية جديدة لأصحاب الدخل غير المحدود، متمنياً عند وضع أي موازنة أن يكون هناك رؤية شاملة وتقديرات مبنية على أسس صحيحة إلى حد ما.
مماثلة
الباحث الاقتصادي الدكتور علي محمد يرى أن موازنة العام 2023 مماثلة إلى حد ما لموازنة 2022 عند تقويمها بالدولار، حيث تبلغ نحو 5.5 مليارات دولار بسعر صرف رسمي 3015 ليرة، مقارنة بـ 5.3 مليارات دولار في 2022 بسعر صرف رسمي 2512 ليرة، أما بالليرة السورية، فلا شك تعتبر مرتفعة بنسبة 24٪ وبقيمة 3225 مليار ليرة، وهذا الارتفاع ذهب بجله للإنفاق الجاري، فيما خصص منه مبلغ 500 مليار ليرة فقط للإنفاق الاستثماري، ليضاف الى مبلغ 2500 مليار ليرة (المبلغ المماثل للانفاق الاستثماري في العام 2022) ليصبح 3000 مليار ليرة، وهنا نلاحظ غلبة الإنفاق الجاري على الاستثماري في الموارنة العامة للعامين 2022 و2023، حيث بلغت نسبة الإنفاق الاستثماري 18٪ فقط، وهي نسبة متدنية الى حد ما، حيث تغلب على الموازنة النفقات الجارية.
انخفاض الدعم الاجتماعي
وبالنسبة للدعم الاجتماعي بالليرة فقد انخفض بنحو 10٪، حيث بلغ 4927 مليار ليرة مقارنة بـ 5530 مليار ليرة في 2022، ورغم استبعاد 600 الف اسرة من مظلة الدعم، إلا أن تقارب الرقمين يعود لارتفاع أسعار السلع المدعومة خلال العام 2022 ولا سيما النفط والمواد الغذائية والقمح.
وبحسب محمد فإن الأمر الذي يجب التنبه له بالتحليل للموازنات هو حجم الايرادات المقدرة وحجم العجز المقدر، بالنظر لموازنة العام 2023 فان حجم الايرادات المقدرة هو 11690 مليار ليرة، ما يعني أن حجم العجز قد يكون 4860 مليار ليرة، بما يمثل 29٪ من حجم الاعتمادات، ويماثل إلى حد ما مع حجم عجز موازنة 2022 البالغ 4118 مليار ليرة والذي شكل نحو 31٪ من إجمالي اعتمادات الموازنة.
ويعتقد محمد أن لوزارة المالية روزنامة إصدارات قادمة للعام 2023 من سندات الخزينة لتمويل جزء من هذا العجز.
كيف ستؤمن الموارد ؟
معاون وزير المالية لشؤون الانفاق العام الدكتور منهل هناوي في حديثه للثورة قال « هذه الموازنة لا تحقق المطلوب أو لنقل لا تراعي تقلبات الأسعار أو التضخم الذي وصل لأرقام قياسية، لكن هذا لا يعني أن وزارة المالية أو الحكومة بشكل عام تستطيع أن تضع موازنة عامة للدولة على أرقام تضخمية، هذا سيجعل الموازنة تتضاعف بشكل أكبر، ولا نستطيع أن نقارن موازنة العامة 2020 أو 2021 أو 2018 بموازنات ما قبل الحرب، فعلى سبيل المثال موازنة 2011 كانت 835 مليار ليرة بسعر صرف 50 ليرة، يعني الموازنة في ذلك الحين كانت حوالي 16 مليار دولار، واليوم إذا أردنا أن نقيس موازنة العام القادم على تقلبات سعر الصرف الرسمي 3015 ليرة هذا يعني أننا سنضع موازنة تفوق الموازنة الحالية بثلاثة أضعاف بحوالي 50 إلى 60 تريليون الأمر الذي سيفاقم العجز، فمن غير الممكن اقتصاديا أو محاسبيا أو بالسياسة النقدية أن تلحق الموازنة العامة للدولة بتقلبات سعر لصرف، وتأثيره على الأسواق.
أهداف
وأضاف أن الموازنة العامة للدولة للعام القادم تضع أهدافا وأولويات ترتكز عليها وتقوم على تأمين الاحتياجات الأساسية، وحول قول البعض إن موازنة العام القادم لا تختلف عن سابقاتها، فمن الطبيعي أن تكون مثل العام الماضي والحالي لكن الأولويات لا تتغير، مثلا التربية أولويات ثابتة لدى الحكومة والصحة أيضا والمياه ودعم المشتقات النفطية والدقيق التمويني، لكن يرصد لها اعتمادات لأن تكاليف هذه الأولويات والخدمات قد ارتفعت فعلى سبيل المثال تكاليف ربطة الخبز ليست كالعام الماضي أو القادم فهناك متغيرات بسعر القمح والنفط عالميا، والموازنة تحاول قدر الإمكان أن تحقق الأولويات الأساسية والاستمرار بها.
وحدد هناوي ثلاثة أهداف أساسية لموازنة العام 2023 هي الاستمرار بتوفير المتطلبات الأساسية بقطاع التربية والصحة والتموين والأنشطة الخدمية الأساسية التي تقدمها مجانا للمواطنين ودعم النشاط الاقتصادي وخاصة قطاعي الزراعة والصناعة وإعطائهم الأولوية بالاعتمادات وخاصة الصناعة لتحريك عجلة الوطني.
توجيه
وأشار إلى توجيه الإنفاق وليس ترشيده بما يحقق التوازن الاقتصادي، حيث أكدنا بموازنة 2023 على الانفاق الذي يحرك عجلة الإنتاج وليس الانفاق الإداري وركزنا على تحسين الإيرادات العامة للدولة وضمان استمراريتها، والتركيز على تحسين الوضع المعيشي وهذا واضح من خلال بند الرواتب والأجور الذي زاد بنسبة 33% .
وقال إن العجز بالموازنة ليس من الأمور المعيبة فكل دول العالم تعاني من العجز، لكن كيف سنؤمن هذا العجز؟ الأمر سيكون من خلال مكافحة التهرب الضريبي وفعالية الإدارة الضريبية والتركيز على الفوترة وأتمتة العمل الضريبي من الأمور التي ستحقق عدالة كاملة، واللجوء إلى سندت الخزينة ستغطي العجز.
أرقام
بلغت الاعتمادات الأولية لمشروع الموازنة العامة للدولة للعام القادم 16550 مليار ليرة بزيادة قدرها 24.2 %مقارنة بموازنة العام 2022.
13550 مليار ليرة للإنفاق الجاري.
3000 مليار ليرة للإنفاق الاستثماري.
4927 مليار ليرة الدعم الاجتماعي.
50 مليار ليرة لصندوق المعونة الاجتماعية.
50 مليار ليرة لصندوق دعم الإنتاج الزراعي.
1500 مليار ليرة لدعم الدقيق التمويني.
3000 مليار ليرة لدعم المشتقات النفطية.
300 مليار ليرة لدعم السكر والرز.
7 مليارات لصندوق التخفيف من آثار الجفاف والكوارث الطبيعية.
20 مليار ليرة لصندوق التحول إلى الري الحديث.
2114 مليار ليرة كتلة رواتب وأجور وتعويضات.