ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم: تطل ذكرى حرب تشرين في ميعادها.. وقد عادت الروح إلى مواقعها المهجورة وأزمنتها المنسية.. وفي التوقيت الذي يرسم خارطة المنطقة وحتى العالم على وقع التطورات المتسارعة وفي ظل استيقاظ للأطماع اللاهثة خلف أحلامها البائدة، التي استنفرت وجهزت وعبأت واستعانت ونبشت في الماضي والحاضر، ولم يسلم منها المستقبل..!!
تعود روح تشرين التحرير وتستحضر معها أوراقها وصفحاتها المعروفة منها والمغيّبة.. التي تمّت المداورة عليها و تلك التي تمت المجاهرة بها.. ما احتفظنا به منها بالشواهد والأدلة والقرائن في حينها وتلك التي هجرناها لقرابة أربعة عقود حتى تعود القناعة إليها.
لا أحد ينكر أن هذه الروح التي سطرت مشاهد البطولة لا تزال تحتفظ بألقها.. لم تغب يوماً، ولا يمكن أن تغيب رغم محاولات العابثين والمتآمرين وإصرار المخططين، وإن كانت تمرّ عرضياً في ذاكرة البعض.. أو دون اكتراث واهتمام لدى البعض الآخر.
اليوم تستعيد ألق الحضور وقد سطر الجيش العربي السوري الذي صنع بطولات تشرين ملاحم بطولة جديدة تضيف إلى سجلاته الناصعة مزيداً من الثبات والعنفوان والمقدرة على المواجهة التي فاجأت العدو كما أذهلت الصديق.. فاقت التوقعات وقلبت الحسابات كما غيرت وعدّلت من المعادلات لتعيد فرض معطيات جديدة.
وتستعيد ألق الحضور وشريك انتصارات حرب تشرين التحريرية يتعرض لأشرس حملة لإبعاده، أو استبعاده من المشهد.. فيما تغيب أو تكاد ذكريات ما حققه وكأنها من زمن مضى، فيما هناك من يحاول أن يزجّ به خارج معركته التي بنى استراتيجية وجوده عليها.
الفارق أيضاً وأيضاً أن التضامن العربي الذي كان أحد أهم مشاهد الانتصار على المستوى السياسي يدخل في غيبوبة الاحتضار، والوضع العربي برمته تصادره مشيخات الخليج لخدمة المخططات والأهداف التي صنعت تلك المشيخات وأوجدتها لتمرير هذه المخططات.
والفارق كذلك أن الإحساس القومي العربي يدخل ثلاجة الانتظار، ويدخل معه الدور والموقع والتفاعل مبارزة الابتذال، وفي أفضلها مشهد المتفرج حتى تميل الكفة هنا أو هناك.
لذلك فإن استعادة نبض تشرين وروح التحرير والتضامن والانتصار ليست حدثاً وجدانياً ولا هي مقاربات في ذاكرة مضت ولا محاكاة لوقائع، بقدر ما هي نسج تمتزج فيه الإرادة بالصمود والثبات والعزيمة والإيمان بالأرض والوطن، خصوصاً أن هذا الجيش الذي صنع تلك الانتصارات يقاوم ويناضل ويسطر البطولات في مواجهة ندرك جميعاً أن العدو فيها بين ظهرانينا وأن المنفّذ بات داخل منازلنا وفي أزقتنا وشوارعنا.. وهو متعدد الألوان والأشكال والأحجام تدعمه دول وقوى وأطراف وأعداء، أكثرهم استعداء للسوريين وعلنية في هذه العدوانية هم من استوطنوا العربية الذين يحاولون أن يحققوا ما عجزت عنه إسرائيل وما فشلت به أميركا وأن يعوّضوا عليهما هزائمهما السياسية والعسكرية على مدى العقود الماضية.
عودة هذه الروح ليست مجرد تمنيات، ولا هي محاكاة خيالية للواقع، أو عودة إلى المفردات «الخشبية» التي أغاظت عربان الخليج ومتسولي الموائد والشاشات.. إنها انعكاس لشواهد لا تنتهي، وترجمة لتضحيات لمسها القاصي والداني.. واعترافات من العدو قبل غيره..
حين تحضر روح تشرين.. اليوم.. وهي تحاكي فينا هذه الإرادة.. وذلك الاقتدار على المواجهة في حرب كونية استعرت إلى حدود غير مسبوقة ولا معهودة، لابد من الإضاءة على الأوراق جميعها واستعادة ما غفلنا عنه.. أو ما حاول الآخرون أن يخفوه.. ليس للاستذكار فحسب، بل للقياس ولفهم الكثير من ظواهر الإرادة التي كانت عنواناً لانتصاراتنا في حرب تشرين.
في تشرين التحرير أعادت النظريات العسكرية تبويب أولوياتها.. ورسمت خارطة مختلفة لكثير من العلوم العسكرية.. وفي مواجهة اليوم التي كسرت فيها الإرادة السورية حواجز وأوهاماً وأحلاماً وأطماعاً، تعيد تلك النظريات الترتيب من جديد، والخارطة التي طالما تفاخرت بها مراكز الدراسات والبحوث الغربية تختفي إحداثياتها أو تكاد لتتموضع فيها إحداثيات صنعتها بطولات الجيش العربي السوري وكرستها إرادة السوريين التي تتحضّر لإعلان نصرها وفي وقت أقرب بكثير مما توهّم أو راهن عليه الكثيرون!!
a.ka667@yahoo.com