ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـلــي قـاســم:
ليس من العبث أن يصدر الانتقاد الروسي لأداء المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا عشية زيارة كيري إلى روسيا، حيث «الزفّة» دبلوماسية والعرس سياسي بامتياز، حتى لو بدأت تحضيراته مبكراً في موسكو فيما التنغيمات السابقة له أو المرافقة تتردد لدى المنظمة الدولية ومبعوثها من نيوريورك إلى جنيف،
وفيها من الرسائل ما يكفي لقراءة الموقف الروسي، وربما لاستشفاف أجواء اللقاء الذي يبدو ساخناً في الكثير من نقاطه وتفاصيله..!!
فاللغة الدبلوماسية الهادئة التي استخدمتها روسيا في انتقاد أداء المبعوث الأممي لم تكن سقف ما لدى روسيا من حديث، ولا هي آخر المطاف، بقدر ما تشكل أول الغيث، حيث تبدو أبعد بكثير من مجرد موقف سياسي، يعبّر عن حدود ومساحة الإحباط الروسي من ذلك الأداء المحكوم كلياً بالرغبة الأميركية، والذي أبدى مطواعية غير مسبوقة في الأشهر الأخيرة حيال الضغوط التي تمارسها عليه زمرة الرياض ومن يتبنّاها.
فدور الدبلوماسية في التخفيف من حدّة التوصيف واضح، وربما المداورة عليه كانت بيّنة وجليّة، بدليل أن المسألة لا تتعلق بتقاعس بقدر ما تعكس دوراً مشبوهاً يؤدّيه، لأن التقاعس بالعادة يكون ناتجاً عن دور شخصي بحت ومزايا تتعلق بذلك الدور، وما شهدناه ولمسناه من المبعوث الأممي في حقب مختلفة كان يؤشر إلى حماسة منقطعة النظير وتعجل في إطلاق وتحديد المواعيد واللقاءات، وفي بعضها من دون الرجوع حتى للراعيين الأساسيين أو الضامنين للمهمة.
كل هذا برز في جنيف كما ظهر وبان في غيرها بدءاً من نيويورك، وليس انتهاءً بفيينا وما سبقها أو لحق بها، فعندما كان يراد لدوره ومهمته أن تظهر سرعان ما يتفشى في الإعلام وأروقة الدبلوماسية، تارة عبر تسريبات مسبقة وفي تارات أخرى من خلال إعلان مباشر يفاجئ البعض أو يبدو بالنسبة له غير منسق بالشكل الكافي.
فالمسألة الجوهرية لا تبدو في التوصيفات على ما فيها من دبلوماسية، بقدر ما هي في تلك الرسائل التي بدت غير مرمّزة، وقد تكون سابقة في التعاطي الروسي هذه المرة، حيث تظهر أن الصبر الروسي فعلاً هو الذي نفد، وأن المماطلة الأميركية التي تجرّ خلفها تقاعس دي ميستورا، هي التي تجعل من جنيف أثراً بعيد المنال وليس فقط بعد عين، وهو ما يمكن أن يضيف إلى اللقاءات في موسكو المزيد من السخونة التي توازي في حدّتها ما تبديه أميركا من تصعيد متعمّد لاستفزاز روسيا، وتحديداً ما يتعلق بنشاطات «الناتو» وتوسعاته شرقاً وفي بعضها شرق الشرق.
المغالطة الأميركية لا تقتصر على مقاربة مقلوبة تراهن من خلالها على رصيد لا يقدم ولا يؤخر من رسائل التصعيد، بل تشمل أيضاً حسابات ومعادلات تتوهَّم واشنطن أنها صالحة للمبازرة في سوق السياسة الدولية، وقد تكون جزءاً من مسعى الدبلوماسية الأميركية لإعادة تحبير نقاط الاشتباك ومعادلاته الناشئة على حساب قضايا باتت بِعُرْف العالم أنها المعيار والمقياس، وحتى الجوهر في صياغة الدور والإحداثيات التي يقتضيها.
الجعبة الأميركية متخمة بكثير من العوالق الناشئة عن تعمّد الاستفزاز، وجميع العروض التي تحفل بها حقائب كيري ليس لدى الروسي وقت يضيّعه في متاهة الأكاذيب الأميركية الملونة، ولا في حبكة التسويفات التي تروّج لها إدارة أميركية تتحضر لإقفال مكاتبها، أو للدخول في القيلولة الإجبارية قبيل أن تترك إرث ما راكمته من نفاق سياسي كانت المحاضر الروسية السابقة شاهدة عليه.
الانتقاد الروسي قد يفتح الشهية على حديث أكثر صراحة، وعلى محدِّدات اللحظة الراهنة بما تحمله، وربما تستطيع أن تحدد ملامح المشهد في قضايا ساخنة لم يعد بمقدور التثاؤب الأميركي حيالها أن يلغي مبادرات مستمرة ومتواصلة لمكافحة الإرهاب وتنظيماته، وخيارات كانت مؤجلة على الطاولة الروسية، جاءت لحظة الضرورة من أجل إعادة التلويح بها، وقد يكون موسم المباشرة قد جاء، حيث الإرهاب الممتد لم يعد خطراً محلياً أو جزئياً، بل بات هاجساً يؤرِّق الجميع، وقد ارتضت روسيا أن تكون الحاضر في ساحة المواجهة معه، حتى لو اضطر الأمر مع من يقف خلفه!!
a.ka667@yahoo.com