«التسريب» بلغة النفاق الأميركي

ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم :
يستدرج التسريب الأميركي المتعمد بالضرورة لجزء من الاتفاق مع روسيا مقولات سبق لها أن أحرجت واشنطن، ويستدرج في الوقت ذاته الأسئلة المغفلة التي شكلت في كثير من الأحيان فجوة أخلاقية في السياسة الأميركية،

تكاد تحضر في جميع الذرائع التي طرحتها لتبرير عدم الموافقة على نشر الاتفاق أو عقد جلسة لمجلس الأمن حوله، وما أعقبه من جدل وصل حد الاشتباك السياسي، الذي لم يخلُ من اتهام واضح في الكثير من مفرداته.‏

فأميركا -ولو نفت علمها أو تنصلت من مسؤولية التسريب- كانت تحتاج إلى بعض المعارك الإعلامية الإضافية المفتعلة مع روسيا، وربما كانت تعوّل على اشتباك دبلوماسي إضافي يخفف موجة التساؤلات المحرجة، التي يطلقها حلفاؤها قبل خصومها، وفي بعضها الغمز من قناة أدائها المختل نتيجة عوامل تتفاعل على المستويات المختلفة، وتجاهر من خلالها أميركا بتآكل واضح في معايير سلوكها السياسي مع حلفائها، الذين يرتفع منسوب هواجسهم من سياسة الصفقات التي تمارسها من خلف ظهورهم!!‏

لا أحد لديه أي شك بالسلوك الأميركي التائه بين واجبات الدولة العظمى ووضاعة الممارسة تحت عناوين المفهوم والدور والمسؤولية، ولا بأخلاقيات سياسية مفقودة وضائعة على وقع الهوس باختلاق ذرائع كاذبة وواهمة، لتكون غطاء لكثير من الأخطاء التي باتت سمة الدبلوماسية الأميركية، ما يعيد سيل الاتهامات إلى صدارة المواقف المختلفة، ولا سيما تلك التي تحاكي من خلالها الإدارة الأميركية تشابهاً ببعض الدبلوماسيات الناشئة أو الطارئة على المشهد الدولي، التي تمتهن الاصطياد بجزئيات خارجة من عقدة المكابرة بوجود شركاء فعليين على المسرح الدولي، يتقاسمون النفوذ والتأثير ذاته، وفي بعض الأحيان يتفوق على الأميركي نفسه.‏

و«التسريب» ليس موقفاً سياسياً عدائياً يتعمد إجهاض الاتفاق وما قد ينتج عنه فقط، ولا هو مجرد انزلاق في ألاعيب سياسية تعفّ عنها أو لا تقبل بها حتى الدول الناشئة فحسب، بل يشكل في جوهره اعترافاً أميركياً بمساحة الحرج بين سطوره، والتي تستدعي تشويهاً مشابهاً لن يقتصر على اجتزاء الاتفاق والنصوص داخله، وإنما سيشمل بالضرورة في مراحل لاحقة المصطلحات والمفردات الواردة فيه، وهذا أمر اعتادته السياسات الأميركية، وتصرّ على الاجترار داخله رغم ما يحيط به من تداعيات سلبية وأحياناً كارثية.‏

وهذا يتطابق مع تشابكات الخلطة السياسية التي تجاهر بها واشنطن، حيث ما تعلنه غير ما تبطنه، وما توافق عليه في الصباح ترفضه مساء، وما تقرّ به ليس بالضرورة هو ذاته الذي تقدم عليه، وبالتالي فإن التسريب يُخرِج الاشتباك السياسي من دائرة الاختلاف المعلن حول بعض التفسيرات الواردة إلى خانة القصف المباشر الذي يستدعي سياقاً كاملاً ومتكاملاً من الوشاية السياسية الأميركية بنسختها المستخدمة في النفاق، حيث الفارق بين إرهابي معتدل وآخر متطرف -وفق توصيفها- يصبح ضرورة سياسية تحتاجها للمماحكة في البديهيات وللجدل في المسلمات، خصوصاً حين تصل الأمور إلى نهاياتها التي تحتاج إلى حسم في التوصيف، فيغدو النصرة مطابقاً لداعش، فيما الاستنساخ اللاحق يشكل بوابة التبييض لصفحات الإرهابيين.‏

أميركا التي تحتال في التسريب هي ذاتها التي تخاتل في الاتفاق وتخادع ومن المنظور ذاته، وكلما وصلت إلى الحائط المسدود كانت الاستدارة المخادعة أكثر بروزاً في معطياتها، والمتغيرات المرافقة أو الموازية مجرد أكاذيب صغيرة إذا ما قيست بالسجل الأميركي المتخم بتلك الأكاذيب الكبيرة، لتكون فقط ظواهر خادعة ومضللة إضافية، تحاول أن تثير الغبار خلف معاركها المفتعلة في السياسة والميدان وعلى امتداد الجبهات الموازية.‏

«التسريب» بمفهوم السياسة قد يكون خديعة جديدة أو إضافية، لكنه في لغة النفاق الأميركي محاولة يائسة مقتضبة لتعديلات في المواجهة، وتغييرات سلوكية تتلون حسب الطلب، وتترجم حاجة أميركا لتعديل بعض الجزئيات الناتجة عن فضيحة علاقتها بالتنظيمات الإرهابية، ودعمها المستمر تحت ذريعة «فانتازيا الاعتدال»، وتقويض أي حلول سياسية وإجهاضها قبل أن ترى النور، لهدف لم يتغير ولم يتبدل، وهو الإبقاء على نار الأزمة وتأجيجها كلما خمدت، وإعادة إشعال ما ينطفئ منها، حيث هو المسألة الوحيدة المحسومة في ظل تلوّن لا ينتهي من القراءات والتفسيرات والاحتمالات في السياسة الأميركية.‏

 

a.ka667@yahoo.com

 

 

آخر الأخبار
سوريا تستقبل العالم بحدث مميز تفاقم الانتهاكات ضد الأطفال عام 2024 أكثرها في فلسطين جناح وزارة المالية ..رؤية جديدة نحو التحول الرقمي خطوط جديدة للصرف الصحي في اللاذقية  رغيف بجودة أفضل.. تأهيل الأفران والمطاحن في منبج معرض دمشق الدولي.. الاقتصاد في خدمة السياسة قافلة مساعدات إغاثية جديدة تدخل إلى السويداء "دمشق الدولي".. منصة لتشبيك العلاقات الاقتصادية مع العالم رفع العقوبات وتفعيل "سويفت ".. بوابة لانتعاش الاقتصاد وجذب الثقة والاستثمارات سوريا تستعد لحدث غير مسبوق في تاريخها.. والأوساط الإعلامية والسياسية تتابعه باهتمام شديد سوريا تحتفي بمنتجاتها وتعيد بناء اقتصادها الوطني القطاع الخاص على مساحة واسعة في "دمشق الدولي" مزارعو الخضار الباكورية في جبلة يستغيثون مسح ميداني لتقييم الخدمات الصحية في القنيطرة معرض دمشق الدولي.. انطلاقة وطنية بعد التحرير وتنظيم رقمي للدخول برنامج الأغذية العالمي: المساعدات المقدمة لغزة لا تزال "قطرة في محيط" "المعارض".. أحد أهم ملامح الترويج والعرض وإظهار قدرات الدولة العقول الذهبية الخارقة.. رحلة تنمية الذكاء وتعزيز الثقة للأطفال وصول أول باخرة من أميركا الجنوبية وأوروبا إلى مرفأ طرطوس شهرة واسعة..الراحة الحورانية.. تراث شعبي ونكهات ومكونات جديدة