ثورة أون لاين – كلمة الموقع بقلم العميد الدكتور أمين حطيط
عندما انخرط أردوغان في مشروع الغرب العدواني ضد سورية كان يمني النفس بان تكون له الجائزة الكبرى بامتلاك ادارة الولاية – الاقليم السوري في الامبراطورية الاميركية العتيدة التي يعمل لقيامها عبر انتقال سورية من محور الكرامة والمقاومة
الى منظومة الاستعباد والتبعية، وقد بنى أردوغان كل خططه وصاغ كل سلوكياته على اساس نجاح المشروع الغربي الذي اتخذه رأس الحربة في التنفيذ، ولم يكن أردوغان يتصور يوما ان العدوان سيفشل وان الاوهام ستذهب ادراج الرياح وان الاحلام ستذهب عند اقدام السوريين.
لقد خاض أردوغان منذ نيف و22 شهراً حربه ضد سورية متدرجاً في المواقف التي كان يتخذها بوحي من الحلم -الوهم المتقدم الذكر. فسمح لنفسه في بداية الامر وعندما كانت طريقه السياسي سالكة الى دمشق التي فتحتها له بعنوان الصداقة والاخوة والاحترام المتبادل، سمح لنفسه ان يتصرف تصرف ولي الأمر والقائد الذي يأمر ويجب ان يطاع، ووجه «النصائح – الأوامر» للقيادة السورية اوامر تتلخص بعبارة واحدة «سلموا السلطة الى من اخترناه واليا اوحاكما لسورية (ويعني الاخوان المسلمين)». وبطبيعة الحال كان الرد السوري الصارم والمهذب والذي افهم أردوغان ان الشعب السوري هو صاحب القرار وانه هومن يختار حكامه ونظامه ولا يمكن الفرض او الاملاء عليه من اي جهة حتى وان كان صديقا او حليفاً، فسورية تسمع للنصح من المخلصين وتعمل بالنصيحة ان كانت تحقق مصالحها وتحترم مبادئها وثوابتها السيادية والاستقلالية.
كان أردوغان مدفوعا بجنون العظمة والغرور، يتصور ان القيادة السورية لن تتردد في الانصياع الى ما يمليه عليها من اوامر، ولما خيبت سورية ظنونه انقلب وبسرعة قياسية ضدها متحولاً من «صديق وحليف استراتيجي» ظاهر (ومزيف كما تبين)، الى عدو يتوعد ويهدد بالانتقام باي وسلية من الوسائل. ولم يترك «السلطان الوهمي» وسيلة في العمل ضد سورية الا ولجأ اليها. مبتدئاً بالاعلام الذي سخره لحربه على الصديق القديم، ثم آوى اليه فئة من السوريين ضلت طريقها وعملت بأوهام من طبيعة الأوهام الأردوغانية الواهنة، وشكل منها مجلسا يمني النفس بأن يكون «مجلس حكم» لسورية يعمل بالأوامر التركية فكان مجلس استنبول الذي اسمي زورا «بالمجلس الوطني السوري» وهو ابعد ما يكون عن الوطنية والقومية التي تفاخر بها سورية والسوريين الشرفاء اصحاب الكرامة والعنفوان القومي، واستضاف من اجل انفاذ اوهامه واحلامه ولدعم الدمية التي عول عليها، استضاف العديد من المؤتمرات واللقاءات الدولية تحت عناوين كاذبة من قبيل القول «أصدقاء الشعب السوري» وما اليها من تسميات.
اما على الصعيد الميداني، فقد ابتدأ أردوغان بنصب الخيم لما اسمي «اللاجئين السوريين» قبل حصول النزوح أصلاً وكانت تلك المخيمات مشاريع معسكرات لتحشيد المرتزقة للقتال في سورية لتنفيذ الحلم الأردوغاني، كما انها كانت بمثابة الملجأ الآمن المفترض لعائلات السوريين الذين ضللوا أو خدعوا أو قادتهم طموحاتهم غير المشروعة لحمل السلاح ضد وطنهم، فقدم أردوغان لهم هذه المخيمات ليأمنوا على عائلاتهم قبل ان ينطلقوا في خيانتهم للوطن عن علم او جهل، ثم انخرط أردوغان اكثر في العمل الميداني ضد سورية عندما حول الحدود السورية التركية الى معابر للارهابين الذين امدهم بكل دعم عملاني واستخباراتي ولوجستي من أجل ممارسة الارهاب والاجرام بحق الشعب السوري، ولم يكتف بذلك بل انطلق مسقطاً المزيد من القواعد الشرعية والأخلاقية والقانونية عندما هيأ البيئة في المخيمات التي استدرج اليها عائلات المسلحين والمضللين لتنفذ بحقهم أبشع أنواع الاعتداءات الجنسية والاغتصاب.
ويبقى أن نكمل العرض بذكر ارتكابات أردوغان ضد القطاعات الانتاجية في حلب حيث استعمل حفنة من الساقطين واللصوص من اجل تدمير المصانع والمعامل السورية وتخريبها بعد ان تقوم اليد التركية وباشراف مختصين بتفكيك المعدات والآلات ونقلها الى تركيا حتى يطمئن أردوغان الى استحالة عودة الحياة الانتاجية الصناعية في حلب في المدى المنظور، يحركه في ذلك حقد ضد المنطقة وأبنائها ورغبة في وضع حد للمنافسة بين الصناعتين التركية والسورية وحتى يحول البيئة السورية الى مستهلك للبضائع التركية بدل ان تكون منافس ذو أرجحية في السوق الدولية.
بعد كل هذه الجرائم، كلل أردوغان عدوانه بممارسة توحي بانه بات يعتقد نفسه بانه هوالحاكم المطلق لسورية من قبيل القول ارضى بهذا ولا أقبل بذاك وعلى هذا الرئيس ان يرحل وعلى هذا الشخص ان يتحضر لاستلام المسؤولية، ثم قاده غروره ونزعته الاستعمارية الى حد تعيين والي للسوريين الذين خدعهم واستدرجهم الى مخيماتهم التي اقامها على أرض لواء الاسكندرون الذي تغتصبه تركيا منذ ان اقامت جمهوريتها على انقاض العثمانية المنهارة.
يقوم أردوغان بكل ذلك يقوده الوهم والغرور، دون ان يلتفت الى حقائق الميدان وطبيعة البيئة الدولية والاقليمية المتشكلة اثر الصمود السوري وانكسار العدوان الغربي على سورية، اذ لو كان عاقلاً وموضوعياً وفهم حقيقة الواقع، لكان توقف عن السير قدماً في العدوان ولكان توقف عن ممارسة السلوكيات الحمقاء التي سترتد سلباً عليه وعلى حزبه بشكل اكيد، حيث لن تفيده يومها صواريخ الباتريوت الاطلسية التي استدعاها لحمايته ودعم عدوانه ضد سورية.
فسورية اليوم ورغم كل ما اصابها من ويلات ودمار ولحق بأبنائها من قتل وتشريد ومعاناة، سورية باتت وباعتراف العقلاء جميعاً، في موقع يستحيل معه أن يحقق أردوغان شيئا من طموحاته، حيث ان شعبها اشتد تمسكه بقراره المستقل واحتضانه لدولته التي جاءت صناديق الاقتراع بمسؤوليها، والتي لا يمكن تغييرهم الا عبر صناديق الاقتراع ذاتها، تلك الصناديق التي تسكب فيها الارادة السورية الحرة رفضا للأردوغانية وعدوانياتها ومواجهة لاحلام السلطنة العثمانية البالية وولاتها الساقطين.
فسورية تدير معركتها الدفاعية بثقة بالنفس عالية ويقين اكيد بالنصر الآتي والذي باتت قيادة جبهة العدوان تعترف ضمناً به، خاصة في ظل ثوابت ارستها سورية بذاتها ثم جاهر بها حلفاؤها من غير لبس اوشبهة لجهة الرفض المطلق للتدخل الأجنبي أو فرض حكام خلافا لارادة الشعب السوري، سورية التي هذا وضعها لن تأبه ولن ينثني لها عنق اوساعد في مواجهة العدوانية الأردوغانية مهما كان مظهر العدوان وأسلوبه بما في ذلك فصوله الأخيرة المتمثلة باستقدام باتريوت الاطلسي، أو تعيين الوالي السخرية والفضيحة، والكاشف عن حقيقة اهداف التدخل الأردوغاني في سورية وحركاته البلهوانية التي تثير هزء العاقلين ورفض الوطنيين الحقيقين. فحلم أردوغان سقط وبات عليه ان يعلم انه:
– لا محل للحديث عن تدخل عسكري اجنبي وباي شكل ولا محل للحديث عن حل سلمي في المشهد القائم اذا كان من يطرح هذا الحل يعني اكتساب كل من ساهم في العدوان على سورية بحصة فيها، فالسلمية الحقيقية باتت تعني بكل بساطة عملية فرز بين سوريين وغير سوريين أولاً ثم بين مسلحين وغير مسلحين من السوريين ثانياً، وبعد ذلك خروج كل من هوغير سوري من الميدان وتوقف الخارج عن ايفاد المرتزقة ودعمهم في جرائمهم ضد سورية، ولا يمكن ان يكون حوار مع هؤلاء اوحديث للوقوف على ارائهم اومطالبهم لان احدا من العقلاء لا يمكن ان يقبل بالتنازل عن حق سوري لاي اجنبي مهما كان هذا الاجنبي بما في ذلك تركيا.فسورية انتصرت والمنتصر لا يقدم للمهزوم مكاسب، أما السوريون فطريقهم الوحيد حوار وانتخابات حرة.
– ان قيادة جبهة العدوان باتت على علم ببواطن الامور وانها بدأت تمارس سياسة الالقاء في البحر والتخلص من الاحمال الزائدة لانها تعرف ان ما يمكن ان تحصل عليها في التفاوض حول الأزمة السورية بالكاد يكفيها هي وحدها للخروج مع حفظ قدر من ماء الوجه، قدر لا يكفي للاخرين ولهذا نراها شجعت فرنسا للتورط في مالي، وأوحت لبريطانيا بالانسحاب الهادئ ولم تمانع السلوك الالماني في الاستطلاع الميداني في سورية ليختار بنفسه طريق الخروج الامن، ويبقى العامل التركي الذي تريد اميركا ارهاقه اكثر حتى يكون مغرقا في تبعيته لها اكثر ومنصاعا للاطلسي بشكل اعمق حتى ولوكان ذلك على حساب الدم والكرامة التركية كما حصل مؤخراً في العلاقة مع إسرائيل.
– وأخيراً عليه ان يعلم ان مصلحته ان يسارع هوايضا الى التخلي عن الدمى التي يحتضنها رغم انها سكتت عن سلوكياته العدوانية ضد سورية من سرقة وقتل وتدمير ثم تعيين والي ينتهك الكرامة والسيادة لان سكوت هؤلاء عزز صفتهم الخيانية في ذهن الرأي العام السوري والعربي وانه لن يكون لهم محل في سورية المنتصرة.