ثورة أون لاين – ديب علي حسن:
من فضائل الخمسين ونيفاً من العمر أنك تهدأ قليلاً، وتشعر أن على عاتقك الكثير من الواجبات التي يجب أن تنجزها بهدوء، وروية، تقبل عليها مقتنعاً أنه أمر لا مناص منه، ولن تردد بيت الشاعر الكبير بدوي الجبل: أتسالين عن الخمسين ما فعلت …؟
لا، بل تشعر أن الزمن مؤدب ومروض حقيقي، يعطيك الدروس من تجربتك وتدفع ثمنها أمراضاً شتى، إذا ما كنت ممن يشتعلون كما البارود في شبابك، وتهدأ رويداً رويداً، حين تشارف الخمسين، وتصعد فوقها وأنت تظن أنك ما زالت تحبو في ربوع الأربعين ونزقه، حقائق يرسمها الزمن بألوان وأشكال شتى، يكتبها على صفحات تختلف من شخص لآخر، وأشنعها أن يضمر العقل ويتجمد، ويقف عند نقطة لا يتجاوزها، بل ربما من حسن حظنا أن يبقى ثابتاً عند البعض محافظًا على تورمه كحبة عدس، لا أن يعود إلى وضع حبة السمسم …….
أعترف لكم أني أكتشفت بعض الحقائق الجميلة من خلال نقاشات منزلية، مع حفيدتي، وزوجتي التي تصر كثيراً على أني لم أتعلم الكثير من تجارب الحياة، وبما أنها تقول الحقيقة، أجيبها قائلاً بروية: نعم هذا صحيح ومؤكد، ولكن إن دل هذا على شيء فإنما يدل على أنك لم تكثري لي من اليقطين، إذ توصل العلماء إلى خلاصة مفادها أن اليقيطن قادر على تحريض خلايا الدماغ وجعلها تنمو، ولكن هل فات الأوان، وقضي الأمر……؟
يقولون: العلم في الصغر كالنقش في الحجر ثباتاً وروسخاً وكبرا كما لو أنك تكتب على طاولة نسيها الزمن فصارت قطعة من الربع الخالي تكتب وتكتب على سطحها، وبعد أن تنتهي تهب نسمة عليلة، أو رمضاء لا فرق، فتذرو كل شيء، وكأنك لم تكتب …….
حقائق تنطبق على الافراد والمهالك النفطية تماماً و تكبر الثروات وتتضخم وتضيق بها خزائن وبنوك، تودع في الغرب حيث ( الكفرة الملاعين ) لحين يأتي أمر بتحريكها لتكون ناراً ولهيباً على الأشقاء، لتزرع تطرفاً وحقداً وكراهية، لتجمد العقول، وتشغل الغرائز، فيقتل الأخ أخاه، والابن أمه، ألم يحصل ذلك بعد أن سدت منافذ العقل وساد التكفير، وكان مال الأعراب وبالاً على الامة ؟
هل المشهد غير ذلك، ومن يعلل ما جرى إلا أنه وصمة عار في تاريخ ممالك النفط والاعراب التبّع، كيف نفهم، أن مليارات تدفع رشى لبقاء قوات الاحتلال الأميركي في سورية وربما بصيغة أخرى: هل كان ترامب متناقضاً مع نفسه عندما قال : سنحلب هذه الأبقار ؟ أليس كل ما يقوم به ويعلنه حلباً وسلباً وذبحاً (حلالاً) وحين يصل اليقين أن لا مال عند هؤلاء التبع، لا في البنوك، ولافي ثروات تحت الأرض تستخرج ويدفع ثمنها للأميركي، حينذاك تأتي ركلة الرحمة والنهاية ….
هذا العقل المتجمد بكل بؤسه، بكل عفنه، وقيحه، وما جره على العالم من مآس: هل تنفع معه مخصبات العالم كلها، فكيف باليقيطن، أو بحوار وهو الذي لايعرف إلا الإذعان لمن يشغله ….عرفنا منهم من رد إلى أرذل العمر وكان يهرف حد ……وتابعنا من يدعون أنهم جيل الشباب، ولكن الفاجعة واحدة، لا النضج أدرك الكبار منهم عمراً، بل ردوا إلى الوحشية الاولى، ولا الجيل المدعي المدنية والحضارة بقادر على الخروج من حظيرة العمالة …….
حقا إنه العقل المتجمد شمالاً، كونه فوق هيكل جسدي له شكل البشر، لكن ماذا عن المتخصب الجنوبي شهوات وموبقات …؟