ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
يعود الحديث عمّا بات يُعرف بالجبهة الجنوبية أو معركة الجنوب بصيغ تبدو مختلفة في مقاربتها، وإن كانت متشابهة في محاولة القراءة المسيّسة للأحداث والتفسيرات المفخخة والاستنتاجات المتسرعة، وما يرافقها من تطورات تقدم من خلالها وجهات نظر تحمل التمنيات أكثر مما تعكس الواقع،
خصوصاً من منظومة العدوان التي كانت تتعاطى بكثير من التهويل، والتحذيرات التي تكاد تختفي بالشكل، مع استمرارها بذات المضمون، رغم ما طرأ عليها من ملامح إضافية تنحو باتجاه الاشتباك أكثر مما تقود إلى الانفراج.
والواضح أن أحدث السيناريوهات المرسومة للحديث عن هذه الجبهة كانت تحاول محاكاة وقائع ومعطيات تجاوزها الزمن وتخطتها الأحداث، حيث الألوان بتدرجاتها المختلفة، تتغير تبعاً للمعطى الميداني، بدليل أن كثيراً من الخطوط الحمر عدّلت من تلوناتها التي كانت سائدة، في إشارة صريحة إلى أن هناك متغيرات فرضت نفسها، وبعضها على الأقل لم يكن بالإمكان التأثير فيه أو فرض معايير تحدد نتائجه مسبقاً، ولا سيما تلك التي كانت تروّج لها منظومة العدوان تحت عناوين بدت حمّالة أوجه وقابلة للتأويل المزدوج في أكثر من اتجاه.
فالحسابات الإقليمية بدأت تأخذ مشهداً مغايراً، أول إرهاصاته العملية.. التفكير الأردني بتفكيك مخيم الركبان الذي فقد مهمته الوظيفية سياسياً، ولم يعد من المجدي الاستثمار فيه، وباتت بضاعته كاسدة والتجارة فيه خاسرة، ومن غير المقنع الإبقاء عليه في ضوء تلك المتغيرات التي جعلت منه عبئاً يثقل على الأردن الرسمي، الذي يبحث عن قشة نجاة بأي ثمن، بعد أن وصلت الأمور إلى داخل الكنف الأردني، والتي اقتضت في الحد الأدنى إجراء مراجعة تكتيكية لأوراق القوة والضعف، والتي أوصلت الأردن إلى القناعة المتأخرة بأن كل ما يحمله المخيم وفكرته والاستثمار السياسي فيه يراكم من المأزق الأردني، ويضيف إلى أعبائه السياسية ما يفيض عن قدرة الأردن على تحمل تبعاته.
ما يواجهه مخيم الركبان يبدو انه ينسحب على كثير سواه من أوراق، كانت المجاهرة فيها من التباهي الغربي والاستعراض العدواني، لتغدو الجبهة الجنوبية بمواصفاتها الجديدة ومعطياتها غير تلك التي كانت قبل أشهر بمقارباتها المختلفة، حيث ما كان افتراضياً في الاستنتاج بات يشكل نقطة تمترس إضافية لرسم المشهد بطريقة تعيد إلى الأذهان ما تم من تفاصيل في معارك سابقة، رغم التباين الحاد في الحسابات والمعادلات، باعتبارها تعيد رسم الخط الفاصل بين مرحلتين واتجاهين، وسيكون لها وعليها الكثير من الإضافات النوعية، على ضوء المقاربات التي تشكل في نهاية المطاف خطوط شد ورخي تنتهي عند حدود الحقيقة المرة التي تجرعت كأسها منظومة العدوان في تجارب سابقة.
هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن التنظيمات الإرهابية التي تلقت رسالة واشنطن بكثير من الامتعاض والخيبة ستركن إلى المصير المحتوم، خصوصاً أن بعض المشغِلين الإقليميين يعوّلون على متغيرات في المشهد الإقليمي تعيد خلط الأوراق، أو المراهنة على انزلاق الأمور باتجاهات أخرى تعيد رسم معادلات الاشتباك السياسي والميداني على أسس لا تشبه تلك القائمة، ولا تتقاطع مع الرهانات المرسومة، على افتراض حسن النية أو تصديق الرسالة الأميركية التي تنتهكها الممارسات على الأرض، بدءاً من العلاقة مع داعش ومرتسماتها الأخيرة، وليس انتهاء بالحال المزرية لبقية التنظيمات الإرهابية.
معركة الجنوب التي تسابق الزمن في حسابات ومعادلات تتبدل لحظة بلحظة لا يمكن الحسم بمقارباتها، ولا الركون إلى المعطيات الخادعة في القراءات السياسية لمواقف أميركية لا تزال على رتم تغييرها الحاد الذي تصبح فيه على غير ما تمسي، وإن كان من المحسوم أن الإرهاب الذي انتهى إلى مآله الطبيعي لن يكون في الجنوب مغايراً لذلك المصير المحتوم، وكما انتهى الاستثمار السياسي في إرهاب الغوطة ومن قبلها حلب وسواهما.. سينتهي على كامل الأرض السورية، ومثلما بات مكلفاً وغير مجدٍ التعويل على المشغِلين الإقليميين في غير مكان لن تكون الجبهة الجنوبية بامتداداتها الجغرافية وتداخل العوامل الإقليمية وغير الإقليمية استثناء .
الحشد السياسي والإعلامي والتهويل في الحديث لن يغيّرا في المعادلات التي تفرض معطياتها تبعاّ للإحداثيات الميدانية الممسوكة بالإرادة السياسية والقرار الحاسم بأن الإرهاب سينتهي في الزمان والمكان الذي تخطه أقدام الجيش العربي السوري، وكما ارتفع العلم العربي السوري فوق سماء القنيطرة قبل أربعة وأربعين عاماً تنتظره البلدات والقرى والمدن على امتداد الجنوب السوري، ليعود مرفرفاً بعد تنظيفها من رجس الإرهاب ومشغليه ماضياً وحاضراً، حالها في ذلك حال كل شبر من الأرض السورية التي ستعود خالية من كل إرهاب أو محتل.. سواء كان أميركياً أم غربياً.. تركياً أم إسرائيلياً، ويعود إليها العلم العربي السوري ليرتفع على كامل مساحة الوطن.
a.ka667@yahoo.com