وكما وصفه نيتشه هو «فن الخلود».. وفق نوع من الكتابة الشذرية أرادها كارل كراوس أن تكون فن اللغة،
المتماهي ومكانةٍ وسطية بين الشعر والفلسفة.. أو بتعبير أدق مكانة متلاعبة بالأنظمة الشعرية والفكرية على السواء.
من حيث قدرتها، أي الشذرة، على التكثيف والاختزال تتشابه وما نطلق عليه «الومضة» لكن هذه الأخيرة تتجانس والكتابة الشعرية أكثر من وقوفها في منطقة وسط.
أما من حيث علاقتها بالزمن فتتجاسر على بناء علاقة مع زمن لم يأتِ بعد.. بمعنى أنها لربما بدت عسيرة الفهم على قرّاء اللحظة والزمن الذي وُلدت فيه تلك الشذرة تطلعاً إلى ما عبر عنه الكاتب والناقد الألماني فريدريش شليجل «فن يخاطب المستقبل والأجيال القادمة، ويظل معاصروه عاجزين عن فهمه أو تقبّله غالباً»..
وبهذا المعنى تبدو كاشفة لما يمكن أن يلي زمناً محدداً.. مستقرئةً الآتي.
من أبرز الذي اطمأنوا لهذا النوع من الكتابة: نيتشه، إميل سيوران، فرناندوا بيسوا.. والكاتب والصحفي النمساوي كارل كرواس.. الذي كان هاجسه النضال ضد الزمن/زمنه، وكانت وسيلته لمحاربته الوقوف في وجه لغة ذاك الزمن.. فلم يجد خيراً من الشذرة أسلوباً يعبّر عن مبتغاه..
أراد كراوس هدم السائد عبر استقدامه نظاماً لغوياً متمثلاً بالشذرة.. معبراً عن مواقفه بشذراتٍ عارضت كل فكر نسقي..
من أبرز مواقفه التي عبّر عنها بكتاباته معاداته الحركة الصهيونية في كتابه «تاج من أجل صهيون».. بالإضافة إلى موقفه اللافت من الإعلام وتحذيره من خطورته..
هل كان ذا نظرة تستقرئ ما يمكن للإعلام أن يؤدّيه من دور..؟
أليست أشكال الإعلام الحالية دليلاً على ما أراد التحذير منه يوم قال: «إن الصحافة والصهيونية ما هما سوى وجهين لعملة واحدة ألا وهي: التلاعب بمشاعر الأفراد»..؟
وبالطبع يقصد نوعاً من إعلامٍ يفبرك ويشوّه.
من شذرات كراوس:
– ألاّ يملك المرء فكرة، ومع ذلك أن يكون قادراً على التعبير عنها: ذاك ما يصنع الصحافي.
– اللغة أم الفكر وليست خادمته.
– حين تحس ثقافة ما بقرب نهايتها، تبعث بطلب الكاهن.
– كيف يحكم العالم وتخاض الحروب؟ الديبلوماسيون يكذبون على الصحافيين ثم يصدقون أكاذيبهم حين يقرؤونها.
رؤية
لميس علي
lamisali25@yahoo.com
التاريخ: الخميس 18-10-2018
رقم العدد : 16814