ها قد أصبحنا جميعاً ننصهر في بوتقة عصر جديد تزدهر فيه التكنولوجيا، وتتزايد من حولنا المكتشفات والمخترعات بما سهّل علينا سبل الحياة.. وبما حقق للبشرية نقلة نوعية تجاوزت كل العصور حتى بات الإنسان وكأنه قاهر المحال.. فكم وكم من الوسائل المعاصرة أصبحت تتوافر لدينا بما يوفر علينا من الوقت ما يعادل الأعمار، ومن الجهد ما يعادل آلاف ساعات العمل.
لكن كل هذا لا يمر مرور الكرام ودون أن يحمل في طياته من الأخطار ما لم يكن متوقعاً، أو في الحسبان.. فالشيء ونقيضه هما دوماً بين كفتي الميزان.. ترتفع واحدة على حساب أخرى.. أما شبكة المعلومات تلك التي هي عنكبوتية الاتجاهات فهي ما زالت الأخطر، وفي الاصطياد هي الأبرع، وبين صفحاتها ما يقال، وما لا يقال.
فيما سبق عرفنا عن ظاهرة الاستذئاب تلك التي تحدثت عنها الأساطير، وورد ذكرها في الأدب الشعبي الغربي، وأنها إلى الخيال أصدق منها إلى الحقيقة، وها نحن الآن نتعرف على ظاهرة (التنمر) الذي هو من الحقيقة، وليس من الخيال.. أجل (التنمر).. ولكنه ذلك الإلكتروني، أو الرقمي، وكأنه التربص بالآخر، وهو يُعرَّف على أي حال باختصار على أنه: (استخدام تقنيات الاتصال بقصد أذى الاخرين).. وأكثر من يصيبهم هذا (التنمر)، وينال منهم هم الأطفال الذين هم في سن المدرسة، وذلك لسهولة اصطيادهم.. تِبعاً لعدم اكتمال تجربتهم الحياتية، وبراءة قلوبهم.. لكن هذا لا يعني أن الكبار لا يقعون في مصيدته كما الفراشة التي تقع فوق شبكة عنكبوت حريرية، ناعمة، شفافة، ومرنة تقبض بسهولة على فريستها تماماً كما هي الشبكة العنكبوتية التي تُعرف باسم (الانترنيت).
وها هو محرك البحث (غوغل) قد تنبه بعد آلاف، أو ملايين ظواهر (التنمر) إلى أمر الصغار، وحالهم مع (الانترنت) وما يتعرضون إليه من خلاله من الخداع الذي قد يصل إلى حدود الجريمة فإذا به يبادر بإطلاق ما اسمه (أبطال الإنترنت)، وهو برنامج متطور لتعليم الأطفال كيفية الاستخدام الصحيح، والآمن للإنترنت، أو ما يصفونه بأنه الاستخدام الذكي.
لكن قبل أن نأتي بالحلول الذكية التي تدرأ عنا، وعن أطفالنا الأذية لماذا لا نقف على أسباب هذه الظواهر العدوانية التي تنال من الناس في العالم المتقدم أكثر مما هي عليه فيما يسمونها بالبلدان النامية؟.. أم أن سمة العنف أصبحت لغة مشتركة بين الأفراد، والمجتمعات؟ لا شك أنها ظواهر يرصدها الراصدون، ويتحقق منها المحققون.. وتبقى الحلول الذكية وراء الأبواب الخفية لتسمح، أو لتمنع.
وها هو موقع التواصل الاجتماعي الأكثر ارتياداً من مشتركيه يطلق هو أيضاً خدماته الجديدة لمستخدميه لعله يستقطب إليه مزيداً من الأفراد والجهات.. فهو لم يكتف بمصادرة حياة كل من عبر من خلاله ليتواصل مع غيره، أو ليتعرف اليه، من خلال سرقة الأوقات، وتجميع المعلومات، بل إنه يطمح لأن يصادرهم أيضاً بعد الموت بإفراده مساحة على صفحاته لأخبار الموتى، وتلقي العزاء.. وللموقع السلطة بحذف ما قد يحمل الإساءة صوناً للسمعة الإلكترونية، والزمالة الافتراضية. هذا عدا عن الأدعية المخصصة بالرحمة والغفران لمن غادر صفحات هذا المكان.
ويتوقع المتوقعون أن يتجاوز عدد حسابات الموتى ما هو مرصود للأحياء على هذا الموقع في العقود القليلة القادمة.. ليصبح المكان الأوسع للعدد الأكبر من الجثث الإلكترونية. ولا يكفي أن ما سجله هؤلاء على صفحاتهم عندما كانوا أحياء هو محفوظ لدى الموقع بل إنه سيستمر حتى بعد موتهم، وكأنه اعتراض على حدث يسمونه الموت، أو أنها نكأت الجراح لمن بقي بعد الذي راح.
وعلى من يريد إغلاق مثل هذه الحسابات من الأبناء، والبنات أن يحسب ألف حساب لأن الأمر لا يتم هكذا ببساطة ودون حساب يؤكده الإبلاغ عن الوفاة، والدليل الموثق الذي ما بعده دليل.. هذا إذا لم يصل الأمر الى أروقة المحكة إذا ما طلب الأقرباء أن يطلعوا على الرسائل الخاصة لمن فقدوهم من الأعزاء.
كذلك هي الصور التي يتداولها الناس عبر التطبيق الأكثر شيوعاً على الهواتف الجوالة والتي يتناقلونها في الحال دون مراجعة للذات فكم هي اقترفت من مشكلات.
أخطار تنال منا دون سابق إخطار.. تستدعي منا الرصد.. قبل الإنذار.
التاريخ: الجمعة 19-10-2018
الرقم: 16815