متحف المئة.. والمليون

من بين الصور المؤثرة التي نُشرت عن احتفالية إعادة افتتاح المتحف الوطني بدمشق ثمة صورة تملك وقعاً خاصاً، إذ تجمع ثلاثة من المدراء العامين السابقين لمديرية الآثار والمتاحف (الدكاترة: تمام فاكوش، وبسام جاموس، ومأمون عبد الكريم) إضافة إلى المدير العام الحالي الدكتور محمود حمود، وأجزمُ لو أن الدكتور سلطان محيسن لم يكن خارج البلد لضمته الصورة أيضاً.
ما الذي يجعل لهذه الصورة – غير الرسمية – وقعها الخاص؟..هل هي ندرة الصور التي تجمع مدراء تتالوا على الموقع ذاته؟ علماً أن ثلاثة مدراء آخرين غيبهم الموت عن الصورة هم الدكاترة: سلم عادل عبد الحق المدير التاريخي للآثار والمتاحف والذي من بعض إنجازاته قانون الآثار السوري، والدكتور عفيف البهنسي صاحب الفضل في إقامة المتاحف على امتداد الأرض السورية، والدكتور علي أبو عساف المرجع العلمي الثري لموقع (عين داره) والعديد من الحضارات القديمة التي قامت على الأرض السورية.
هل هي الندرة؟ هو سؤال ومعظم الجواب، لكن بعضاً من الجواب يتعلق بطبيعة المديرية ذاتها، التي ترتبط بتاريخ بشري يبدأ منذ مليون سنة، وهو عمر إحدى القطع الموجودة في المتحف، وتاريخ حضاري مديد متسلسل غير منفصل، يمتد عدة آلاف من السنيين، ويتجلى بالإرث المكتشف لحضارات ثرية ومتنوعة يندر وجود ما يشبه ثراها وتنوعها هذا في أنحاء العالم. وقد كان متحف دمشق في البداية النواة الثرية للمديرية، واستمر كذلك حتى اليوم بفعل ما حوت أروقته وباحاته وحديقته من كنوز أثرية تعود إلى كل مكان وزمان في سورية. وقد غاب عن ذاكرتي اسم أحد كبار العلماء الأثريين في العالم الذي قال واصفاً المتحف: «لا أعرف متحفاً في العالم يمكن أن يجاري متحف دمشق في روعة الأبنية الأثرية المشهورة التي أعيد تشييدها فيه». وهو إلى ذلك أحد أقدم المؤسسات الثقافية – العلمية في الوطن العربي، وأحد أكثرها عراقةً وثراءً إذ تعود بداياته إلى عام 1919، وقد يكون التذكير بهذا التاريخ دافعاً لتحضير احتفالية تليق بالمتحف بمناسبة عيده الألماسي، الذكرى المئوية لتأسيسه.
أقيم المتحف الوطني بداية في المدرسة العادلية المواجهة للمدرسة الظاهرية، و كان يشرف عليه ويديره المجمع العلمي العربي (مجمع اللغة العربية حالياً)، وكان ينفق عليه من موازنته. وفي الثامن من أيار عام 1929 صدر قرار بمنحه الشخصية الحقوقية والاستقلال. وكان هذا القرار فاتحة ازدهاره وتطوره وزيادة ثروته الأثرية. مما دفع إلى التفكير في تأمين مبنى جديد واسع له يتفق مع تطوره هذا، ومع متطلبات علم المتاحف الحديث. وأثناء الحكم الوطني عام 1936 بُدئ بتشييد هذا البناء الجديد في زاوية من المرج الأخضر بجوار التكية السليمانية، وبذلك حظي المتحف ببناء يتناسب مع أهمية الآثار المودعة فيه وكان مخططه قابلاً للتوسع. وأعيد فيه إنشاء كنيس دورا أوروبوس الذي يضم مجموعة نادرة من الصور الجدارية المنفذة بتقنية الفريسك، ومدفن يرحاي التدمري الذي يعد خير نموذج للمباني الجنائزية التدمرية وقد تم نقله من وادي القبور في تدمر وأعيد بناؤه في المتحف. وقسمت الآثار السورية المنقولة بين متحفي دمشق وحلب اعتماداً على عمرها. فخصصت الآثار التي تعود إلى ما قبل سنة 500 قبل الميلاد بمتحف حلب، والآثار التي تعود إلى ما بعد هذا التاريخ بمتحف دمشق ووزعت على جناحين متميزين في المتحف وهما جناح الآثار اليونانية الرومانية، وجناح الآثار الإسلامية. وعقب الحرب العالمية الثانية بدأ عرض جديد لمجموعات المتحف بالاستفادة من التجارب الجديدة التي حققها علم المتاحف وقد ساهم في نمو المتحف إنشاء مديرية الآثار العامة السورية في الوقت نفسه. وازدادت ثروات المتحف الوطني بسرعة مدهشة نتيجة الحفريات الأثرية التي نشطت على نطاق واسع منذ عام 1950 مما قاد إلى التوسع في البناء الأساسي الذي يمثل نحو ربع البناء الحالي. وفي العام ذاته تم الانتهاء من تشييد قسم من أقسام قصر الحير الغربي حيث تم نقل واجهة القصر وبعض من عناصره المعمارية من بادية الشام، وبعد ثلاث سنوات (1953) أنشئ إلى الغرب من قصر الحير الغربي جناح مؤلف من ثلاثة طوابق وقبو نظم في الطوابق الأرضية فرع الآثار العربية الإسلامية وخصص الطابق الأول لفرع الفن الحديث، والطابق الثاني ليكون مقراً مؤقتاً للمعارض الأثرية أو الفنية الحديثة الذي أصبح مع مطلع هذا القرن معرضاً دائماً للمعمار السوري – الروماني الشهير ابوللودور الدمشقي.
في عام 1954 صدر المرسوم التشريعي ذو الرقم (130) باعتبار متحف دمشق متحفاً للحضارة السورية منذ أقدم العصور حتى عصرنا الحاضر فتم إحداث فرع الآثار السورية القديمة في مكان معرض المكتشفات الأول. وبذلك أصبح المتحف الوطني مؤلفاً من فرعٍ للآثار السورية القديمة منذ الألف الثالث ق. م وحتى بداية الحقبة اليونانية.و فرع الآثار السورية في العهود الكلاسيكية (اليوناني، الروماني، البيزنطي). وفرع الآثار العربية الإسلامية. وفرع الفن الحديث. وفي عام 1956 وضع حجر الأساس للتوسع في مبنى المتحف على امتداد الجناح الغربي ليصل البناء بذلك إلى مرحلته الأخيرة عام 1961 حيث كسب المتحف رواقاً جديداً وثلاث قاعات مزدوجة وقاعة محاضرات (القاعة الشامية) ومكتبة واسعة. وبعد هذا التوسيع أعيد تصنيف وتنظيم المتحف من جديد، وأحدثت فيه قاعتا النقود و المجوهرات.واستمر المتحف باقتناء الآثار النادرة، ومنها تابوت من الرخام يمثل معركة طروادة اكتشف في منطقة الرستن، وتشمل المقتنيات التي تضمها خزائن المتحف مجموعة نادرة جداً وفريدة من اللقى الأثرية منها أبجدية رأس شمرا التي تمثل أول أبجدية تم العثور عليها ومجموعة من الدمى الحجرية التي تعد من أقدم المنحوتات في التاريخ البشري وغيرها الكثير.
في سبعينات وثمانينات القرن الماضي تم إحداث فرع (ما قبل التاريخ) في الجناح الغربي، وتبديل مدخل المتحف بحيث أصبح من واجهة قصر الحير الغربي، وتم فصل المديرية عن المتحف في جناح جنوبي منه وضعت في مدخله شرفة وأعمدة جميلة أحضرت من مدرسة (الحلبوني) بعد هدمها،.وتم تشييد بناءين على يمين ويسار القسم الشمالي بجوار المدخل الخارجي نقلت إليهما مكاتب إدارة المتحف و قسم بيع البطاقات والمستودع، وأقيم بجوار الجدار الغربي حديقة فاصلة عن الشارع، وكان أحدث ما أضيف إلى المتحف التمثال الشهير لأسد اللات التدمري الذي نجح الخبراء في ترميمه وإعادته إلى حاله السابق لقيام (داعش) بتفجيره.
البداية كانت مع الصورة التي جمعت مدراء عامين سابقين والمدير الحالي، وتبرير أهميتها في كونها توثق لتسلسل العمل الإداري – العلمي في مديرية الآثار والمتاحف، كما توثق الآثار ومتاحفها التسلسل الحضاري والتاريخي في سورية، والأكثر أهمية اليوم، كما في كل وقت مضى، ألا يُجتزأ هذا التاريخ، أو تؤخذ أجزاء منه و تُهمل غيرها فيتخلخل و يتبعثر ويفقد خصوصيته وفرادته. وللحديث تتمة.
سعد القاسم
  www.facebook.com/saad.alkassem  

التاريخ: الثلاثاء 6-11-2018
رقم العدد : 16829

 

آخر الأخبار
السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات ٢٧ بحثاً علمياً بانتظار الدعم في صندوق دعم البحث العلمي الجلالي يطلب من وزارة التجارة الداخلية تقديم رؤيتها حول تطوير عمل السورية للتجارة نيكاراغوا تدين العدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر السورية جامعة دمشق في النسخة الأولى لتصنيف العلوم المتعدد صباغ يلتقي قاليباف في طهران انخفاض المستوى المعيشي لغالبية الأسر أدى إلى مزيد من الاستقالات التحكيم في فض النزاعات الجمركية وشروط خاصة للنظر في القضايا المعروضة جمعية مكاتب السياحة: القرارات المفاجئة تعوق عمل المؤسسات السياحية الأمم المتحدة تجدد رفضها فرض”إسرائيل” قوانينها وإدارتها على الجولان السوري المحتل انطلقت اليوم في ريف دمشق.. 5 لجان تدرس مراسيم و قوانين التجارة الداخلية وتقدم نتائجها خلال شهر مجلس الشعب يقر ثلاثة مشروعات قوانين تتعلق بالتربية والتعليم والقضاء المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات لقوات العدو في عدة مواقع ومستوطنات “اللغة العربيّة وأثرها في تعزيز الهويّة الوطنيّة الجامعة”.. ندوة في كلية التربية الرابعة بالقنيطرة