من جديد تعود حكاية بائعة الكبريت لتسكن ليالي شتوية باردة .. فتمشي حروف روايتها المرتجفة حافية القدمين على أرض لاترحم أحلاماً تغازل شوقاً دفئاً متواضعاً .. و تلك الشقوق اللعينة التي استباحت رداءً يتيماً تم تدويره مما ألقي و أُهمل .. لن يقوى على رد هجمات باردة قد تهز كيان ذاك الجسد الصغير الحائر مستجدياً بين أقدام عابرة غبر مبالية ..
ربما الحظ حالف « عبير » ذات السنوات الخمس اللاهثة وراء المارة متسولة برفقة أخيها الذي يكبرها بثلاث سنوات ، و حلم البيجاما و الحذاء الجديدين سيتحول إلى حقيقة تكسو قامتها الصغيرة ، و « بابا ذو الأرجل الطويلة»أطل عليها خارج الأفلام الكرتونية ، ليقودها إلى محل تجاري و يشتري لها ما يدفئ جسدها و يحمي أقدامها ، بعد أن انتزع منها وعداً بأن تلبس ما اشتراه لها .
ما زال الفقر يستعرض رث ثيابه و عري أقدامه و أشعث قامته في شوارعنا المتأهبة لشتاء قارص ، في مشهد تراجيدي قاتم يستفز مشاعرنا المرهفة ، لتطل إنسانيتنا خجولة بنظرات تعاطف تارة ، و باستمالة أو استدارة شفقة تارة أخرى … لا شيء يتعدى « يا حرام .. الله يعينهم » ، و بضع ليرات تتساقط في أحضان جائعة و متعطشة لحياة آدمية ، تقارب الطفولة السعيدة و لو من بعيد.
إنهم أطفال ضحية .. و البحث عن المتهم ما زال جارياً .. هل هو الفقر من ألقى بهم على ضفاف الحاجة استجداءً .. أم هناك أذرع خفية تحركهم كدمى بخيطان خبيثة استغلالاً .. بينما تهدر براءتهم و يتغلغل الجهل إلى عقولهم ، و تتسلل الاتكالية إلى منهجهم الحياتي كعادة ، و يعبر الحقد مهرولاً إلى نفوسهم ، و ربما يتحولون مستقبلاً إلى قنابل موقوتة قابلة للانفجار!!..
منال السماك
التاريخ: الأحد 11-11-2018
الرقم: 16833