مئوية الحرب العالمية الأولى في باريس جنوح نحو السلام.. أم ضبط إيقاع التوترات الدولية؟

 

في ظل إجراءات أمنية مشددة، وبمشاركة نحو 70 رئيس دولة وحكومة، شهدت العاصمة الفرنسية باريس أمس مراسم غير مسبوقة لإحياء الذكرى المئوية لتوقيع الهدنة التي أنهت الحرب العالمية الأولى في عام 1918.
وكانت الحرب العالمية الأولى أحد أكثر الصراعات دموية في التاريخ، وقد أعادت صياغة سياسات العالم وتركيبته السكانية، غير أن السلام لم يدم طويلاً، فبعد 20 عاماً اندلعت الحرب العالمية الثانية.
ولم تكتفِ باريس باحتفالية تجمع القادة وكبار المسؤولين تحت قوس النصر في أعلى جادّة الشانزليزيه، بل أضافت إليها «منتدى السلام» الذي سيدوم ثلاثة أيام، ويتمحور حول خمسة موضوعات رئيسية عنوانها الجامع «السلام وكيفية المحافظة عليه»، ويترجَم ذلك في إطار ورش عمل يشارك فيها كبار القادة، ويُنتظر منها أن تقدم رؤية وحلولاً من أجل إدارة عالم استخلص العبر من مآسي الماضي متعدد الأقطاب.
وينظّم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بهذه المناسبة منتدى دوليا للدفاع عن التعددية، وهي الركيزة الإيديولوجية التي تؤطر العلاقات الدولية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وينتهكها بعض رؤساء الدول بشدة، وضمنهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وهذا الاحتفال الحاشد، وغير المسبوق لإحياء مثل هذه الذكرى، يثير الكثير من التساؤلات بحسب المراقبين، حول ما يمكن أن ينتج عنه، خاصة في ظل الأجواء الدولية المشحونة ، والاضطرابات التي تحدثها السياسة الأميركية الحالية، والساعية لفرض الهيمنة على العالم، مقابل ظهور العديد من المؤشرات على بدء أفول نظام الأحادية القطبية الذي تزعمته الولايات المتحدة طيلة السنوات الماضية، فهل هذا الاحتفال تجمع لعهد جديد يبشر بسلام عالمي وحالة من الاستقرار؟ أم هو تجمع يمكن أن يسبق حرباً عالمياً جديدة في ظل المساعي الأميركية لخلق أزمات دولية جديدة، والاستمرار في محاولاتها تعويم الإرهاب في أكثر من منطقة في العالم؟.
الكلمات التي ألقيت في الاحتفال أكدت في الظاهر على الرغبة في إنهاء الحروب وبدء عهد جديد على مستوى العلاقات الدولية، حيث دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يستضيف الزعماء في قصر الاليزيه في كلمة له إلى نبذ الانطواء والعنف والهيمنة وخوض ما سماه «المعركة من أجل السلام» وقال: « دعونا نضم آمالنا بدل أن نضع مخاوفنا في مواجهة بعضها البعض».
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس أكد من جانبه أهمية وجود عالم متعدد الأقطاب محذرا في الوقت ذاته من وجود «أوجه تشابه» بين عالم اليوم وبين الأوضاع الاقتصادية والسياسية في ثلاثينيات القرن الماضي وهي السنوات التي مهدت الطريق أمام اندلاع الحرب العالمية الثانية، وقال: إن عالمنا بحاجة إلى التعدد وبدون التعدد سيظل الخطر قائما، مضيفا «يجب حماية التعدد ودفعه للأمام».
كما حذر غوتيريس من الأوضاع غير المستقرة في عالم اليوم معتبرا أن «هناك العديد من العناصر المتشابهة اليوم مع كل من سنوات بداية القرن العشرين وثلاثينات القرن الماضي ما يزيد المخاوف من اندلاع سلسلة أحداث لا يمكن التنبؤ بها».
أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فأكد استعداد بلاده للحوار مع واشنطن حول مختلف القضايا الدولية، وهذا ما يشير إلى وجود نوايا لعهد عالمي جديد، ولكن الوقائع على الأرض تشي بالكثير من الاختلاف فالظروف السائدة في العالم اليوم تبدو شبيهة بتلك التي أشعلت فتيل الحرب العالمية الأولى مع عودة الصراعات بين روسيا والصين والدول الصاعدة من جهة والولايات المتحدة وحلفائها في الغرب من جهة أخرى، بسبب الحملات التي تشن على روسيا على خلفية مواقفها مع الصين ودول أخرى من السياسات الغربية الساعية إلى فرض الهيمنة على العالم والاستمرار في انتهاك المعايير والقوانين الدولية.
ومع تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرئاسة بداية العام الماضي أصبح العالم يسير على طريق مزيد من التوتر وعدم الاستقرار مع انتهاجه استراتيجية تشجع على سباق التسلح الذي يزيد من احتماليات وقوع حرب نووية كارثية فضلاً عن سياساته المتهورة والتهديدات التي يطلقها ضد دول أخرى والتي من شأنها أن تضع العالم في الطريق إلى الحرب العالمية الثالثة.
فضلا عن ذلك فإن الأزمات والصراعات الدولية تزداد حدة بسبب سياسات واشنطن، ويدخل تضارب المصالح نفق اللاعودة كالحرب التجارية التي وصلت إلى درجة الخطر على الاقتصاد العالمي، ناهيك عن الحروب المستعرة في العديد من مناطق العالم والتي تحصد أرواح آلاف المدنيين الأبرياء ثمناً للمصالح والمطامع الدولية.
وكل هذه الأجواء التي تشبه إلى حد ما تلك التي سبقت الحرب العالمية الأولى التي نشبت بداية في أوروبا في تموز 1914 واستمرت لنحو أربع سنوات حيث انتهت في الـ11 من تشرين الثاني 1918 وجمعت قوات الحلفاء وهم (المملكة المتحدة وإيرلندا والجمهورية الفرنسية الثالثة والإمبراطورية الروسية) ضد دول المركز (الإمبراطورية الألمانية والإمبراطورية النمساوية المجرية والدولة العثمانية ومملكة بلغاريا).
ونتجت عن هذه الحرب آثار كارثية على مختلف الصعد حيث قتل أكثر من تسعة ملايين مقاتل وسبعة ملايين مدني بينما تصاعدت وتيرة جرائم الإبادة الجماعية والأوبئة إضافة إلى أنها أعادت صياغة سياسات أوروبا وتركيبتها السكانية لمدة 20 عاماً قبل أن يشهد العالم اندلاع الحرب العالمية الثانية.
وكالات – الثورة
التاريخ: الأثنين 12-11-2018
رقم العدد : 16834

آخر الأخبار
تعزيز الإصلاحات المالية.. خطوة نحو مواجهة أزمة السيولة تحديات تواجه انطلاقة التجارة الإلكترونية في سوريا تعزيز الشراكة التربوية مع بعثة الاتحاد الأوروبي لتطوير التعليم حرائق اللاذقية تلتهم عشرات آلاف الدونمات.. و"SAMS" تطلق استجابة طارئة بالتعاون مع شركائها تصحيح المسار خطوة البداية.. ذوو الإعاقة تحت مجهر سوق العمل الخاص "برداً وسلاماً".. من حمص لدعم الدفاع المدني والمتضررين من الحرائق تأهيل بئرين لمياه الشرب في المتاعية وإزالة 13 تعدياً باليادودة "سكر مسكنة".. بين أنقاض الحرب وشبهات الاستثمار "أهل الخير".. تنير شوارع خان أرنبة في القنيطرة  "امتحانات اللاذقية" تنهي تنتيج أولى المواد الامتحانية للتعليم الأساسي أكرم الأحمد: المغتربون ثروة سوريا المهاجر ومفتاح نهضتها جيل التكنولوجيا.. من يربّي أبناءنا اليوم؟ تحديات تواجه انطلاقة التجارة الإلكترونية في سوريا مع ازدياد حرائق الغابات عالمياً.. تطوير جهاز كشف بحجم ثمرة الصنوبر محافظ درعا يبحث مع غرفة تجارة الرمثا الأردنية تعزيز التعاون الاقتصادي  إيران تقول إنها ستستأنف المحادثات مع الولايات المتحدة بضمانات بحضور الشرع.. توقيع اتفاقية بين "المنافذ البرية والبحرية" و"موانئ دبي العالمية" وسط بحر من الفوضى والفساد.. أزمة المهاجرين إلى أوروبا تتفاقم  الثورة الاقتصادية السورية على وشك البدء  البكالوريا في سوريا.. شهادة عبور أم عبء نفسي وماديّ!؟