لم تعد النيات المبيتة وحدها التي تقف خلف الهواجس التي تثيرها الممارسات الأميركية في الشمال، بل أضيفت إليها لغة خطاب تطرح جملة من الاحتمالات والسيناريوهات التي تعيد الأمور إلى المربع الأول، وتُفصح عن عدوانية أميركية تشكل السياق الجديد للسلوك الأميركي في ظل تكهنات تروّج لها الأروقة الخلفية للبيت الأبيض حول تعديل في الاستراتيجيات يصل حد الانقلاب على السياسة الأميركية في السنوات الماضية.
الحديث الأميركي الذي لا يخلو من لغة التهديد والوعيد يتجاوز في خطورته منحى الترويج لتلك الاستراتيجيات، ويلامس عتبة التلويح بخطوات تعيد إلى الأذهان ما سبق لها أن مارسته في غير مكان، وإن كان يجزم بأن التداعيات الخطيرة التي نشأت عن تلك الخطوات كانت كارثية، وتسببت في الفوضى الإضافية على امتداد المنطقة التي كانت الشرارة الأولى لما حدث لاحقا من نتائج، لا تزال ترزح تحت أثقالها.
التحذير الروسي الذي تتصاعد وتيرته من خطورة التحركات الأميركية كان قد سبق الإعلان الأميركي عن تغييرات في الاستراتيجية، على ضوء المهل الزمنية والسقوف السياسية التي يُستشف منها تهديد ووعيد يصل حد الإملاء في الكثير من تفاصيله، خصوصاً ما يتعلق منها بالهجوم على المسارات التي اختطتها روسيا، سواء ما تعلق منها بآستنة أم ما ارتبط لاحقا بسوتشي وسواها، في لغة تشي بأن الخطوات الأميركية على الأرض كانت سابقة لهذا التهديد، بدليل أن الدعم اللوجستي للمرتزقة كان قد سبق ذلك، مضافاً إليه أحاديث متواترة بخصوص وصول قوات إضافية أميركية وفرنسية وبريطانية وبعض الأدوات ذات الصبغة التآمرية من مشيخات الخليج.
المفارقة أن الكثير مما يتم تداوله عن خطط أميركية يرتكز أساساً على تعويم الخيارات السابقة، التي كانت عبئاً أثقل كاهل الإدارة الأميركية، بحكم أن الأخطاء التي تورّطت فيها قابلة للتكرار بصورة أكثر كارثية، حيث الظرف والمناخ اللذان كانا متكأً للقرارات الأميركية في ذلك الحين، يبدوان على ضفة مغايرة ويمارسان معاندة واضحة لكل الاحتمالات التي تزيد من متاعب الإدارة الأميركية، لأن المناورة شبه معدومة، وتفتقد للمرونة التي تراهن عليها، والأهم أنها لا تملك أي رصيد محتمل بتحقيق حد أدنى من حفظ ماء الوجه.
فالتعويل على كانتونات «مسخ» لا تمتلك أي رصيد من النجاح وتفتقد للحد الأدنى من مقومات الوجود جغرافياً وسياسياً، يجعل المحاولة الأميركية أكثر خطورة من سابقاتها، لأن المقاربة السياسية والتجارب المتكررة والمحاولات المحمومة والمستميتة لإيقاظ النزعات الانفصالية تواجه رفضاً إقليمياً ودولياً متزايداً، ما يضيف أعباء ومتاعب على الإدارة الأميركية التي تصرّ على إدارة لعبة خطيرة وفق توصيف لافروف.
هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن أميركا بوارد التراجع عن خططها، ولا هي بوارد المراجعة للتداعيات الكارثية التي ستجرّها على المنطقة، بقدر ما تؤشر إلى واقع التأزم في الخيارات الأميركية المفتوحة على المجهول، فالمخاطر تتورّم والاستطالات المرضية تتفاقم، بدليل أن ما تُقدم عليه يبدو خيار المفلس، وحين تحضر لغة الإفلاس في السياسة، على المنطقة أن تتحضر للأسوأ، وعندما يكون فائض الطيش هو المستحكم بالقرار الأميركي، على العالم أن يحبس أنفاسه، فتقاطع الإفلاس والطيش وتطابق الرهانات الخاسرة مع الأدوات الفاشلة والمرتزقة المهزومة يزيد من التورّم المرضي في السياسة وفي الميدان..!!
a.ka667@yahoo.com
رئيس التحرير: علي قاسم
التاريخ: الجمعة 7-12-2018
الرقم: 16855