التبعية أم الانفصال؟

لم تُخف الولايات المتحدة استراتيجيتها الجديدة، وقد أعلنت عنها على المستوى الرسمي، وفي إطار سياساتها، وبموجبها كشفت عن تغييرات كبرى في عقيدتها السياسية والقتالية، فأعادت تعريف العدو، ووضعت الخطط والخطط البديلة للمواجهة التي تُعد لها، وبدأت فعلياً بالتنفيذ، وقد قطعت خطوات في اتجاه ما قالت إن عليها أولاً مواجهة الدورين الروسي والصيني، وثانياً جعل أوروبا تدفع أثماناً جديدة للحماية.
فرنسا تَغرق بالفوضى والاحتجاجات، والعدوى تمتد في عمق وأطراف القارة العجوز، بينما يَجدها دونالد ترامب مُناسبة للتذكير بما قاله من أنّه يَترتب على أوروبا أن تدفع ثمن حمايتنا لها، فترفع مُساهمتها بتمويل الناتو!.
منذ خاطب ترامب القارة العجوز بنفس الخطاب الذي تَوجّه به إلى المحميات الخليجية، ومنذ ساوى بينهما رغم الفوارق الكبيرة القائمة، كان على أوروبا أن تُدرك حجم التحدي الذي ستُواجهه، وكان عليها أن تتعرف إلى التقييمات والتقديرات الأميركية الجديدة، والوُجهة السياسية التي تعتزم التحرك على مَساراتها.
لم تُخف أميركا جُزئية مما تستعد للقيام به، علناً قالت: سنعمل لاحتواء الصين، ولتطويع روسيا، ولإخضاع ألمانيا، ومن أجل ذلك تقوم بكل ما ينبغي عليها القيام به، وما الحرب الاقتصادية التي شرعت بها إلا الترجمة الحرفية لاستراتيجيتها الجديدة التي لن تحترم أحداً أو تُقيم له وزناً، وإذا كانت وَجَدَت في فرنسا المُناسبة للتذكير، فإن ترامب اعتبرها صندوق بريد يضع فيه الرسائل لألمانيا وسواها!.
التحدي المفروض على القارة العجوز بهذه الأثناء، هو إما الاستسلام التام لواشنطن، مع ما يَعنيه ذلك من تسديد للالتزامات المالية التي تُحددها، ومن تَنفيذ للعقوبات التي تَفرضها، على الصين، روسيا، إيران، وأي طرف آخر، من دون إظهار أي مُعارضة، ومع عدم التفكير بالانفصال عنها، أو حتى بمُخالفتها سواء في إطار الناتو أم في إطار منظمة التجارة العالمية.. وإما خوض مواجهة تعتقدها واشنطن خاسرة اعتماداً على تقديراتها الذاتية من أنّ أوروبا ليست في وضع يُؤهلها لإحداث تغييرات جذرية في قواعد اللعبة!.
بوجه مكشوف، وبسياسات مُتعجرفة، تُواجه الولايات المتحدة العالم، وخاصة أوروبا، وتُبدي استعداداً غير مَسبوق لفعل أي شيء وكل شيء لإخضاعها، لكتم صوتها، لجعلها تختنق، وتعتبر أن إفساد العلاقة التاريخية القائمة بينهما هو من اختيار بروكسل، باريس وبرلين، وليس من اختيارها، وهي التي تشعر بالحاجة لأوروبا لتَقطرها خلفها أو لتَجعلها في خط المواجهة الأمامي في حروبها القادمة مع أطراف منظمة شنغهاي ومعها مباشرة خاصة بعد انضمام الهند وباكستان لها، ومع مجموعتي بحر قزوين، والبريكس!.
هل تمتلك القارة العجوز من الخيارات سوى قبول الاستمرار بالخضوع لأميركا لتلعب مُجدداً دور التابع الذليل لها، أو القفاز بيدها؟ أم أنها ستتجه لحفظ أمنها من دون أميركا وللتباين عنها في السياسة والخيارات؟ هذا هو التحدي!.

علي نصر الله

التاريخ: الأثنين 10-12-2018
رقم العدد : 16856

آخر الأخبار
تأهيل خمسة آبار في درعا بمشروع الحزام الأخضر "المركزي": تكاليف الاستيراد أبرز مسببات ارتفاع التضخم "أكساد" تناقش سبل التعاون مع تونس 10 مليارات ليرة مبيعات منشأة دواجن القنيطرة خلال 9 أشهر دورة لكوادر المجالس المحلية بطرطوس للارتقاء بعملها تركيب عبارات على الطرق المتقاطعة مع مصارف الري بطرطوس "ميدل ايست منتيور": سياسات واشنطن المتهورة نشرت الدمار في العالم انهيار الخلايا الكهربائية المغذية لبلدات أم المياذن ونصيب والنعيمة بدرعا الوزير قطان: تعاون وتبادل الخبرات مع وزراء المياه إشكاليات وعقد القانون تعيق عمل الشركات.. في حوار التجارة الداخلية بدمشق بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة تفقد معبر العريضة بعد تعرضه لعدوان إسرائيلي الرئيس الأسد يصدر قانوناً بإحداث جامعة “اللاهوت المسيحي والدراسات الدينية والفلسفية” الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة