يبدو أن وعود رئيس النظام الفرنسي إيمانويل ماكرون بخفض الضرائب عن أرباب المعاشات، والإعفاءات المتعلقة فيها، وزيادة الحد الأدنى للأجور بأكثر من مئة يورو في كانون الثاني القادم، لم تلق الصدى المطلوب عند أصحاب «الربيع الأصفر» أو ما يسمونه « السترات الصفراء»، لكونه حتى الآن لم يتمكن من فهم ما يجري، ولم يعلم شيئاً عن الغضب الذي يتم التعبير عنه، ولاسيما أن ردود الفعل النقابية الشديدة اللهجة، والمنتقدة لسياساته تؤكد تراجع شعبيته إلى أدنى مستوياتها منذ وصوله إلى سدة الحكم، وانهماكه في كيفية الحفاظ على كرسي الرئاسة.
فالقضية إذاً أكبر من موضوع زيادة على ضريبة كربون الوقود، أو على ضريبة الاستهلاك الداخلي للمنتجات الطاقية، لأنها في حقيقة الأمر قد تكون متواضعة قياساً بدخل المواطن الفرنسي، بل في الفشل الكامل للنهج الاقتصادي الذي يتبعه الفريق الحكومي وعلى رأسه الرئيس، والدليل إعلان حركة «السترات الصفراء» العزم على مواصلة احتجاجاتهم في مختلف المناطق الفرنسية حتى تحقيق جميع المطالب التي لم تبق في صورتها الاقتصادية، حيث بدأ المحتجون يرفعون شعارات مختلفة كرحيل ماكرون وحل البرلمان، وخروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي، ولهذا يعلن المتظاهرون عزمهم الاستمرار في قطع الطرقات وإقامة السواتر في الشوارع، كما دعوا إلى مواصلة التعبئة بعد غدٍ السبت في جميع أنحاء فرنسا ليكون خامس أسبوع على التوالي يشهد تحركات على مستوى البلاد منذ انطلاق الحركة في السابع عشر من الشهر الماضي.
الأمور في باريس تسير من سيء إلى أسوأ في المرحلة الراهنة، مع موجة التصعيد التي يتبناها جماعة السترات، ولم تعد التنازلات التي قدمتها الحكومة الفرنسية تجدي نفعاً، مع أنها جاءت لتلبية المطالب التي أعلنوا عنها مع انطلاقة الحراك، وأولها التراجع عن الزيادة التي كانت مقررة في أسعار الوقود، والدليل استشعار السلطات الخطر واستمرارهم باستخدام العنف الذي يهيمن على المشهد، وهو ما يعكس ارتفاع سقف المطالب التي يتبناها جماعة الحركة.
بعد أربعة أسابيع من معركتهم بات أصحاب «السترات الصفراء» راسخين في المشهد السياسي وربما بشكل دائم، وقد تكون تصريحات المسؤولين وخطاباتهم، ولقاءات ماكرون مع ممثلي القطاع المصرفي وغيرهم لاحتواء الأزمة جاءت متأخرة، وأنه كما يقول المحللون: لقد باتت فرنسا بيد إمبراطور تحت التدريب يظهر نفسه على أنه إصلاحي كبير، ويعتقد أنه يعرف كل شيء بينما يحصل العكس.
huss.202@hotmail.com
حسين صقر
التاريخ: الخميس 13-12-2018
الرقم: 16859