في الأزمات والصراعات ذات الطابع المسلح تدخل في التداول الإعلامي بعض المصطلحات التي لا تكون مستعملة في الظروف العادية، وفي الحرب التي شنت على الدولة السورية -وهي حرب مركبة لجهة الأسلحة التي استعملت فيها سواء كانت عسكرية أم اقتصادية أم إعلامية أم إرهابية- كثر استعمال مصطلح بروباغندا للدلالة على الدور الذي لعبته وسائل الإعلام في مقاربة وتظهير الحدث السوري الذي غلب عليه الموقف والاصطفاف السياسي أكثر من الواقعية والمهنية والموضوعية سواء في أسبابه أم سياقاته وتداعياته.
وبالعودة للعنوان تجدر الإشارة إلى أن سلاح الإعلام والدعاية ليسا حديثَي العهد في الحروب والصراعات التي شهدتهما البشرية عبر تاريخها الطويل فقد استخدما منذ أقدم العصور، حيث تشير المصادر التاريخية إلى أن البابليين والآشوريين والإغريق والفراعنة قد اتخذوها وسيلة للدفاع عن الحكم والأنظمة السياسية ولتوسيع رقعة إمبراطوراتهم، وما المعابد الإغريقية والأهرامات الفرعونية إلا للدلالة على عظمة وقوة تلك الأنظمة، إضافة إلى أن الانتصارات والأحداث التاريخية كانت قد دونت على الجدران والأحجار وهذا ما تظهره التنقيبات الأثرية، وإضافة إلى استخدام التماثيل اعتمد اليونانيون على فن الخطابة وسيلة دعائية لنشر أفكارهم وفلسفاتهم بين الناس واستعملوا البلاغة والفصاحة أسلوباً وأداة في ذلك ولعل الإلياذة والأوديسا المثال الحي والأبرز على ذلك، أما العرب فكانوا أكثر من استعمل الشعر للدفاع عن القبيلة وإثارة الحماس بين أبنائها أو إدخال الذعر والخوف في نفوس الخصوم وفي حروب الفراعنة لعبت الدعاية الدينية دوراً كبيراً في تغذية نفوس المقاتلين والدفع بهم نحو أتون المعارك.
وازداد دور الدعاية الإعلامية مع اختراع المطابع في القرن الرابع عشر من خلال استعمال المطبوعات والنشرات والدوريات وعند اندلاع الثورة الفرنسية عام ١٧٨٩ كان للدعاية السياسية دور مهم في تعبئة الجمهور الفرنسي ضد الملكية، ولعب نشيد المارسييز والقلنسوة وشعار الحرية وحقوق الإنسان دوراً وملهماً في إلهام الجماهير وتحريضها ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى برزت الحاجة الماسة للدعاية السياسية في صراع دول المحور والحلفاء بهدف استجماع الجمهور والتأثير في الرأي العام واستخدم المصطلح تحت مسميات مختلفة فالإنكليز أطلقوا عليه مسمى الحرب السياسية بينما عرفه الألمان بأنه الحرب الثقافية أما الأمريكان فقد وصفوه بالحرب النفسية وربما كانت تلك التسمية الأكثر دقة.
ولضبط المصطلح -البروباغندا- يمكننا العودة لزمن الولادة والاستعمال حيث تشير دائرة المعارف البريطانية إلى أنه يعود للعام ١٦٣٣ عندما أنشأ أحد باباوات الكنيسة الكاثوليكية إدارة باسم (الجمعية المقدسة للدعاية والتبشير) وعرفت الدعاية بأنها: أي محاولة منهجية للتأثير في الرأي العام على أوسع نطاق باستخدام الوسائل الرمزية التي هي شكل من أشكال الاتصال الهادف إلى تطوير وتتشيط المواقف كوسيلة لرفع المؤسسات أو الأفراد أو الإساءة إليهم وتنبع الدعاية من خلال خطة لإحداث تأثيرات محسوبة تخاطب جماهير معينة.
ويمكننا القول بالإشارة إلى ما سبق بأن البروباغندا أداة تأثير فعالة في الرأي العام عبر الاستخدام الممنهج لوسائل الاتصال بأشكالها المختلفة كقوة ناعمة فعالة لجهة تحقيق أهداف تؤثر في الجمهور والقوى الفاعلة سواء كان ذلك سلباً أم إيجاباً لخدمة غرض معين أو عدة أهداف بما يخدم الجهة المرسلة أو فكرتها عبر تحريك المشاعر من خلال مؤثرات حتى لو كانت اختلاق الأكاذيب أو التهويل والتضليل بهدف تشكيل وعي زائف أو حقيقي ولو أدى ذلك إلى تخدير الجماهير أو الرأي العام وخلق حالة تنويم مغناطيسي جماعي فالمهم بالنسبة للبروباغندا ليس معرفة الحقيقة وإنما ما يعتقده الناس أو يجعلهم يعتقدونه ما يساهم في إيجاد بيئة متفاعلة أو قابلة للفكرة ولو كان ذلك إجماعاً قسرياً أو ما يسمى غريزة القطيع.
إن الدعاية المنظمة أصبحت في الوقت الراهن وفي ظل العولمة الإعلامية والفضاء الكوني المفتوح أحد أهم الأسلحة التي تستخدم في الحروب والصراعات إضافة للترويج للأفكار والسياسات خدمة لمصالح القوى الكبرى المهيمنة في مجال الإنتاج والمعرفة وتقانة الاتصال ما يوجب على شعوب العالم ودوله مواكبة ذلك وامتلاك أدواته عبر شبكة تكتلات قادرة على المنافسة أو على الأقل تأمين الحماية الذاتية لشعوبها ومجتمعاتها في ظل سطوة الميديا وقوة التقانة ومجتمع المعرفة.
د.خلف علي المفتاح
khalaf.almuftah@gmail.com
التاريخ: الأثنين 17-12-2018
رقم العدد : 16862