الاعتذارُ عن الخطأ، فعلٌ أخلاقي جيد جريء وشُجاع، لكن ليس دائماً، وليس بالمُطلق يَمنح المُعتذر اعترافاً بنُبله، أو يُضفي عليه المصداقية، أو يُجدد الثقة له وبه شخصاً كان أم مؤسسة، وليس بالضرورة أن يُقبل الاعتذار عن الخطأ الذي تَرتّبَ عليه الكثير من الأحكام والسلوكيات، والكثير من الأضرار المادية والمعنوية، والكثير من الأثر الذي لا يُمكن إزالته!.
ما الذي نُريد قوله؟ من نَستهدف ونَقصد؟ وما النقاط التي نَتطلع لمُلامستها والوصول إليها؟.
اعتذارُ مجلة دير شبيغل الألمانية عن قيامها بتَلفيق مئات وربما آلاف الروايات عن سورية خلال سبع سنوات لا قيمة أخلاقية له، ولا ينبغي لأحد أن يُفكر مُجرد تفكير بتوصيفه بالعمل الأخلاقي أو الشجاع، كما لا ينبغي لأحد في العالم وليس في سورية فقط أن يُفكر بقبوله، إذ لا شيء يَغفر للمجلة ارتكاب أخطاء على مدى سبع سنوات، ثم لتأتي في لحظة سياسية مُحددة تَعتذر؟!.
اعتذارُ المجلة الألمانية التي يُقال إنها ذات مصداقية عالية، وشعبية واسعة، لا يُمكن قَبوله، وإقالتُها للصحفي الذي لَفَّقَ ما لم يَحدث يوماً، والذي اخترع أرقاماً وأعداداً واستخرج نسباً مئوية، وبنى عليها مواقف سياسية تَلقفتها حكومات لا يُستبعد أن تكون المُشغل له، لتؤسس عليها مُتخذة إجراءات ضد الدولة السورية، قيادتها جيشها وشعبها، هو اعتذارٌ ساقط، لا يُسقطها وحدها كوسيلة إعلامية يَثق بها الألمان، وإنما يُسقط أيضاً المُجتمع الذي مَنحها الثقة والمصداقية.
المجلةُ الألمانية ليست الوحيدة التي انخرطت بفعل الكذب والتلفيق، بل ليست سوى واحدة من آلاف المنابر الإعلامية الغربية – المقروء والمسموع والمرئي والالكتروني – التي كانت أداة أخرى تفعل فعلها إلى جانب التنظيمات الإرهابية التي مَولها وسَلحها الغرب بالشراكة مع تركيا ومنظومة الخليج المُتعفن، ودائماً تحت رعاية الإدارة الأميركية الصهيونية كمركز للسيطرة والقيادة والتحكم.
تَعهُّدُ المجلة الألمانية القيام بكل ما من شأنه أن يُعزز مصداقيتها مُجدداً، لا قيمة له أيضاً، ذلك أنه ما من ضمانات تَكفل عدم انخراطها مُجدداً بمُخططات قذرة تُديرها أجهزة الاستخبارات الغربية الأميركية المُتصهينة، خاصة أن المُجتمع السوري ما زال اسم (دير شبيغل) يُحرضه على التقيؤ ويُثير اشمئزازه، ولم ينس بعد ما قامت به من تلفيقات كاذبة وأعمال تزوير فاضحة إلى جانب صحيفة السياسة الكويتية منذ 2005 وحتى اليوم، وربما إلى آخر لحظة يَستمرُ فيها الاستثمار القذر بالمحكمة الدولية الخاصة باغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري!.
لم ينس السوريون ومعهم العالم الفضائح والتسريبات وفبركات شهادات الزور التافهة السخيفة منذ ديتليف ميليس وحتى الآن، التي لعبت دير شبيغل الألمانية والسياسة الكويتية أقذر الأدوار بالترويج لسلسلة أكاذيب يَعجز الشيطان عن اختلاقها وفَبركتها، ليَبرز السؤال المُفارقة: أيّ شعبية هي تلك التي تَحصدها مجلة تَمتهن الكذب لا الصحافة التي ينبغي احترام مَعاييرها فضلاً عن مَواثيق الشرف التي يجب التزامها مُحدداتها؟ وأيّ مصداقية تلك التي تُريد المجلة استعادتها وتَعزيزها؟!.
فضيحةُ دير شبيغل ليست فضيحة مجلة أو صحيفة أو وسيلة إعلامية، هي فضيحة المُجتمع والنظام الغربي الاستعماري الفاجر المُتصهين، بل هي فضيحة النظام الدولي الأخلاقية الكُبرى التي تُعري أميركا بصفتها القيادية لكل مشاريع العدوان الشريرة القائمة على الكذب والنفاق والتلفيق والبلطجة، ودائماً على طريق المصادرة والإلغاء وصولاً إلى النهب والهيمنة!.
علي نصر الله
التاريخ: الخميس 27-12-2018
الرقم: 16871