قبل أن تسعفنا الوسائل الحديثة بكل ما هو جديد على ساحتها كانت لنا صولات وجولات مع الكتاب، ومع الصحافة الورقية، ومع كل ما هو مكتوب، ومقروء.. أما الآن بعد أن غزت الصحافة الإلكترونية منابر القراءة، وأصبح الكتاب الإلكتروني أيضاً بديلاً من ذاك الورقي فقد تحول أغلبنا إلى عالم الرقمية، وما عدنا نتحسس ملمس الورق بأناملنا، وقد توقع كثير من الناس أن يموت الورق في مواجهة كل ما هو إلكتروني.. إلا أن هذه التوقعات لم تبلغ منتهاها بدليل حركة دور النشر المستمرة، ومعارض الكتب التي تتكاثر يوماً بعد يوم حتى يكاد لا يخلو شهر من شهور السنة من معرض، أو أكثر للكتاب في بلد من البلدان شرقاً وغرباً، كما شمالاً وجنوباً.
لكن كتاباً من نوع آخر انضم إلى ساحة الكتب ألا وهو (الكتاب المسموع)، وقد أصبح رائجاً، وشائعاً، ومتاحاً لكل من يرغب به على شبكة المعلومات، وقراؤه يعدّون بالألوف لا بالمئات. وسيلة حضارية تفتح الباب واسعاً للاطلاع على عددٍ كبيرٍ من الكتب المتنوعة في كل مجال، واختصاص. وقد يرغب بها كل مَنْ يريد أن يقتنص وقتاً مستقطعاً لا ينصت فيه إلى أفكاره التي ربما تؤرقه، أو أن يشغل وقتاً لا يمضيه محدقاً في سقف عيادة طبيب وهو في حالة انتظار، أو ألا يعد الخطوات التي ستوصله إلى مكان يقصده.. ومادامت خطوات العمر قصيرة مهما امتدت بها الأعوام فلا شك أن الاستزادة من كل ما هو مفيد هي خير ألف مرة من عدمها.
كذلك فإن فائدة الكتاب المسموع لا تقتصر على هؤلاء فقط، ومنهم أيضاً مَنْ لا يسعفه وقته للقراءة، ويجد في هذه التقنية فرصة ثمينة للاطلاع على المزيد مما يريد.. وهي تصل أيضاً إلى ذوي الاحتياجات الخاصة لتطلعهم على ما لم يكن متاحاً لهم قبل عصر الحاسوب، والهواتف الذكية.. في خطوة ذكية هي أيضاً تصل بها المعلومة إلى السمع إذا ما ضعف البصر، وبحيث لا يقف انتشار الكتاب عند حدود ما تنطوي عليه صفحات طريقة (برايل) للقراءة، ومكتبة (برايل) بالتأكيد ليست غنية بما يكفي لمواكبة جميع إصدارات الكتاب التي تنتعش باستمرار.
ورغم أن أعداد الكتب المسموعة باللغة العربية هي أقل مما يجب أن تكون عليه بينما المكتبة العربية تزخر بألوف الكتب القيّمة، إلا الخطوات الخجولة نحوها تستحق التشجيع.. لكن بالمقابل هناك مفاجآت، وسقطات لهذه التجربة تكاد لا تُغتفر.. فالكتاب العربي المسموع ليس كمثيله باللغات الأخرى.. والسبب يعود لضعف ثقافة من يقرأ لنا الكتاب، أو بالأصح الراوي.. إذ إن الأخطاء اللغوية الفادحة التي يقع بها أغلب رواة الكتاب المسموع كفيلة بأن تفسد كل ذائقة للسمع، أو فائدة سيجنيها المرء، بل إن هذه الأخطاء في القراءة تذهب أبعد من هذا إذ تسهم في تدمير لغة من يستمع إليها حتى يكاد السامع إذا ما أوغل في الكتاب المسموع، أقول يكاد بعد وقت يشكك في معلوماته اللغوية، أو لا يعود يميّز بين الصح، والخطأ.
وقد يصل بك الحال وأنت تستمع إلى الكتاب المسموع لدى بعض المواقع لأن تفضل الإنصات إلى الصمت الذي يلفك، أو أن تسمح للضجيج من حولك أن يصمّ أذنيك على أن تتابع ما يُلقى في سمعك من رداءة الإلقاء.
وفي هذه الحال.. ألا يحق لنا أن نطالب المؤسسات الثقافية على مساحة اللغة العربية أن تتبنى مشروعاً للكتاب المسموع، أو المنطوق ـ لو صح التعبير في هذا السياق ـ في استكمال لمهمتها الثقافية، وفي الحفاظ على سلامة اللغة العربية؟
ولأجل كل هذا فلا تستمعوا إلى الكتاب المسموع قبل أن يصبح كما هو مطلوب منه من حيث سلامة الإلقاء وجودته حتى لا تفقدوا آخر خيوط اللغة السليمة التي تمسكون بها.
لينا كيلاني
التاريخ: الجمعة 4-1-2019
الرقم: 16876