«الوحدة المركبة للطبيعة الإنسانية هي ما يعبث بها التعليم في مختلف المواد الدراسية…
أصبح من المستحيل اليوم تعلم ما يعنيه الكائن الإنساني، هذا في الوقت الذي صار فيه من الملح جداً، بالنسبة لكل فرد، أينما كان،
أن يعي الطابع المركب لهويته ولهويته المشتركة مع الآخرين»..
فثمة هوية مركّبة وفق القول السابق لـ(إدغار موران) ضمن كتابه «المعارف السبع الضرورية لتربية المستقبل».. وبالوقت نفسه ثمة معارف يحددها لحياة المستقبل..
هل هناك من رابط بين معارف المرء وتشكيل هويته..؟
هل ينمو ويتطور مفهوم هوية الكائن الإنساني وفقاً لنمو معارفه..؟
لكن السؤال الأكثر من مُلحّ ارتباطاً جغرافياً بمكان المرء الذي عاش حرباً ولايزال غائصاً بتداعياتها، يتمثل بماهية المعارف الأكثر ضرورة سبيلاً لعيش المستقبل وتجديد الحياة الكائنة راهناً.
يعتقد البعض أن معارف الإنسان لا تشكل فارقاً في تحديد معنى لهويته.. وهو ذات الشيء حين نقول إن هوية المرء لا تتعلّق ولا تملك أدنى رابطٍ بمستوى معارفه وعلومه.. وهنا تصبح كالشيء الموروث، تقليداً متبعاً يورّث جيلاً بعد جيل..
وإن كان «موران» صاغ بحثه في إطار استجابته لطلب اليونسكو ضمن خطتها بإظهار دور التربية المهم في تحقيق تنمية مستدامة تركيزاً على أهمية الفكر المعرفي.. وجب على بلدان أرهقتها الحرب، وتقف قبالة تحديات إعادة البناء أن تسأل نفسها:
ما هي المعارف الضرورية لبناء المستقبل..؟
وأي مستقبل نريده بعد سنواتٍ من حرب..؟
من الأفكار اللافتة التي يطرحها «موران» ضمن كتابه جعله إحدى المعارف الضرورية متمثلةً بـ (تعليم الشرط الإنساني) بمعنى أن تشتمل مناهج التربية على الاعتراف بوحدة الإنسان وبهويته المركّبة.
أيضاً طرحه لمفهوم «تعليم الهوية الأرضية»، وهي ليست بديلاً عن هوية جزئية قطرية أو قومية.. إنما شاملة وجامعة لمختلف أنواع الانتماءات الإنسانية على كوكب الأرض.
في تتابع المعارف التي يتحدث عنها موران لاينسى أن ينبّه إلى كون «المعرفة هي عبارة.. عن مغامرة لايقينية, تتضمن في ذاتها وبشكل دائم إمكانية التعرض للوهم والخطأ».. وهو ما يصل بنا إلى أخلاق المعرفة/الفهم التي تقتضي «أن نحاجج وأن نفند عوض أن نعزل الآخرين ونلعنهم».. هكذا نمارس ما أطلق عليه (تعليم الفهم).. فهم الآخر والقدرة على إيجاد لغة مشتركة بين البشر وصولاً إلى التفاهم..
فيجب «أن نعرف كيف نفهم قبل أن ندين»، وقبل أي شيء لابدّ من فهم الذات خطوة أولى لفهم الآخر.. (لابد من أن نلجأ باستمرار إلى الفحص الذاتي, لأن فهم نقاط ضعفنا الخاصة أو نواقصنا، هو السبيل نحو فهم نقاط ضعف ونواقص الغير)..
lamisali25@yahoo.com
لميس علي
التاريخ: الجمعة 4-1-2019
الرقم: 16876