اكوام من ثلوج الغربة تراكمت في سهول وهضاب أرواحهم ، سنوات المكوث في حضن غربة لم يكن قادرا على اطفاء شعلة شوق و حنين زادت اتقادا و حرارة مع مرور سنوات البعد، وتراكم غبار الهجران على جدران قلوبهم ، فعيونهم في كل يوم كانت ترنو نحو خارطة وطن، و أفئدتهم تعيش حالة انتظار مر و ترقب دائم للعودة والارتماء على كتف الوطن و شكوى ألم البعد عن أهل و دار .
حلم طال انتظاره
مع اتساع حدود الأمان و الاستقرار و تجدد الأمل بغد أفضل تحت خيمة وطن ، حزم الكثير من المهجرين إلى الدول المجاورة امتعة العودة ، و وضبوا أشواقهم و شعلة حنينهم ، و هرولوا يحثون الخطا نحو حدود الوطن بقوافل مشتاقة لعبور الحدود ، و الارتماء على تراب الوطن لتقبيله شوقا و حبا .
إلى مختلف المحافظات السورية عائدون طال انتظارهم لتحقيق حلم العمر للقاء جدران دار و أرصفة حي و أهل و جيران، لتجديد ذكريات الماضي الجميل الذي عاشوه في زمن ما قبل أزمة لعينة.
عبر الحدود اللبنانية اجتاز امجد العطار و عائلته التي ولد بعض أفرادها و كبر الآخر خارج حدود الوطن ، و قد قرر العودة أخيرا بعد الكثير من التسهيلات التي قدمتها الحكومة السورية لعودة أبنائها إلى حضنها بعد سنوات نزوح طال أمدها، و يضيف بالقول : البعد عن الوطن لم يكن خيارنا بل كان قرارا اضطراريا خوفا على الأولاد بسبب الوضع الأمني الذي كان خطيرا جراء الإرهاب القادم ، و الآن بعد عودة الأمان لا داعي للبقاء خارح البلد ، فالوضع يسير نحو الأفضل .
إلى ريف دمشق كانت رحلة عودة يوسف خضر و زوجته بعد ست سنوات نزوح و حياة صعبة لكبار السن خارج الديار ، رغم انه كان بضيافة أقاربه في لبنان ، يقول : كنت اراقب الوضع بشكل مستمر و أتابع الأخبار بتلهف للاطمئنان على الوضع وترقب حالة مناسبة للعودة ، و الآن الوضع مطمئن و آمن ، وسورية بكل مناطقها تعيش حياة عادية ، و تحقق حلم انتهاء الأزمة فقد اشتقنا للوطن .
عادت كما كانت
البعض عاد للعيش في الوطن بشكل دائم ، و آخرون كانوا بانتظار فرصة مناسبة لزيارة أقارب لم يروهم من سنوات تسبق عمر أزمتنا ، بعد أن رحلوا بسبب توتر أمني و حالة عدم استقرار كانت تعيشها بلادنا ، و الآن قرروا عبور الحدود الأردنية باتجاه سورية لزيارة الأخوة ، عن طريق العودة تقول رائدة السيوفي و اختها غادة : كان الطريق فيه كل التسهيلات ، و العبور سريعا بشكل مخالف لتوقعاتنا ، بعد سبع سنوات من البعد اشتقنا لزيارة الأهل و الأخوة المقيمين في دمشق ، خاصة بعد أن أصبح الوضع ملائما، و عودتنا النهائية إلى سورية قريبة جدا ، فسورية عادت كما كانت و كما عرفناها .
ضيوف في قلب العروبة
يوما بعد يوم سيزداد عدد المهاجرين العائدين ، و ستنتقل عدوى الهجرة إلى الوطن كما سرت منذ سنوات غيرة الهجرة عن الوطن ، هي مسألة وقت لا أكثر ، فالصورة الضبابية عن الوضع في وطننا أصبحت أكثر وضوحا ، و الحقيقة تجلت للعالم أجمع ، فسورية الآن لم تعد البلد الأكثر خطورة في العالم ، بل عادت بلد السلام والأمان كما عرفها العالم قاطبة .
و كما قوافل العائدين من أبناء الوطن ، ستتقاطر عما قريب وفود السياح و القوافل التجارية العابرة ، و قد بتنا نشهد ذلك على أرض الواقع ، و الغبطة تنتابنا و نحن نرى السيارات من الكثير من الدول العربية المجاورة التي تتجول بشوارعنا الآمنة ، كما نرى السيارات التجارية الشاحنة من دول الخليج التي خسرت الرهان على خروج سورية منتصرة، و ها قد عادوا يطلبون ودا سوريا شامخا ، فسورية عادت كما كانت قلب العروبة النابض و الحاضن .
منال السماك
التاريخ: الثلاثاء 8-1-2019
الرقم: 16879