وزارةُ الخارجية الأميركية واحدة من بين الوزارات التي يَشملها قرار إغلاق الحكومة الفدرالية، ومع ذلك تَجد مؤسسات الدولة العميقة طريقة، ومُبرراً، لتَمويل حركة الوزير مايك بومبيو، وجولته على دول المنطقة، التي تَستكمل مهمة جون بولتون مُستشار الأمن القومي، وربما ستَجد طريقة أيضاً لتمويل ما تَبقى من حُثالات إرهابية وإمدادها بالسلاح!.
ما الذي يُسوغ تَسجيل خرق لقرار الإغلاق الجُزئي للحكومة؟ المهمة العاجلة التي يَقتضيها تنفيذ قرار الانسحاب الأميركي من سورية؟ أم الإعداد لمرحلة ما بعد الانسحاب؟ وبالتالي هل من المنطقي أن تَقود حركة بولتون – بومبيو العاجلة للاعتقاد بأن الانسحاب يُؤشر لنهاية أم لبداية؟.
واشنطن، التي تُعد لمُخطط عدواني جديد – ربما – لم تُطلع حتى الآن أقرب حلفائها على تفاصيله، هي على الأقل تَرى في قرار الانسحاب نهاية مرحلة، وبداية مُختلفة لأخرى تُرفع إيران عنواناً لها، تحت مُسمى مُواجهة التحديات بالمنطقة، وبمَعنى مُحاولة إعادة بث الروح بمشروع تشكيل ناتو عربي – إسرائيلي يُؤدي مهمة الاستهداف الجديدة!.
فيما كان بولتون مُنشغلاً على عنوان لَملَمة وطَمأنة الحلفاء والأدوات خلال جولته التي رسمت ملامح ما بعد الانسحاب، والتي وضعت الخطوط الأساسية للخطة الأميركية الجديدة، ربما من الطبيعي أن تكون مهمة بومبيو التحشيد والعناية بالتفاصيل المَسموح الكشف عنها حالياً، ذلك أنه كان واضحاً ووقحاً بتبليغ أوامر العمل الجديدة للأُمعات الخليجية، ولباقي الأدوات الرخيصة.
(ينبغي على دول المنطقة إنهاء الخصومات القديمة والتحالف بمواجهة إيران)، (الانسحاب من سورية سيتم، وبالدبلوماسية سنطرد آخر جندي إيراني منها)، (لن نَسمح باستمرار وضع حزب الله بلبنان على ما هو عليه)، (نَتعهد بمواصلة العمل لتحتفظ إسرائيل بقدراتها ضد نزعة المُغامرة العدوانية الإيرانية).
هذا أبرز ما قاله بومبيو في العَلن، على المنبر وأمام عدسات الإعلام، فما حجم ما قيل في الغُرف المُغلقة؟ وهل يُؤكد ذلك أن واشنطن بصدد الإقرار بالفشل والهزيمة؟ أم أنها شرعت فعلياً بما هو أكثر قذارة من مُخططها العدواني الفاشل الذي تَكسر في سورية بفضل صمودها وتصديها البطولي الأسطوري – بالتعاون مع أصدقائها وحلفائها – للحرب الكونية التي أدارها البيت الأبيض والصهيونية العالمية ضدها؟.
لا مَحل للاستنتاجات ولا لإخضاع التصريحات للقراءة والتحليل، طالما تَمتَّعت واشنطن بهذا المُستوى من الوقاحة بالإعلان عن عزمها الهروب إلى الأمام في التحشيد والتصعيد بدلاً عن أخذ العبرة والمَوعظة، واختيار الانكفاء والانسحاب!.
لتَرى واشنطن ما تراه لجهة البداية المُختلفة انطلاقاً مما انتهت إليه، تشعر بمَرارته ولم تَكن تتوقعه. ولمُعسكر أدواتها أن يَلتحق بها ويَتورط معها مرة أخرى، فما أَنجزته سورية من انتصار كبير وعظيم يُؤسَسُ عليه، ويُبنى، وإنّ ما أَظهرته سورية وحلفاؤها، ولا سيما إيران، من عوامل قوة وتماسك هو جزء من تَقديرات مُشتركة قد تَصنع وتَضع نهاية لمشاريع أميركا العدوانية، ما خَطَرَت مرّة لترامب ولا لنتنياهو، وربما فقط لامستها ذات مرّة لجنة فينو غراد الشهيرة!.
علي نصر الله
التاريخ: الاثنين 14-1-2019
الرقم: 16884