عندما تتحول الكلمة لبستان زهر وكمشات حبق ومنتور تنثر شذاها ليغمر كل الكون، نكون أمام قامة أدبية لن تتكرر شاعر استفقنا على كلمات أغانيه فأطربتنا حيناً وأرقصتنا أخر, إنه الشاعر المبدع «عصام جنيد» فآثرنا أن نقطف من بستانه بعض الزهور ونجري معه حواراً لينثر من بين حروفه بعض ضوع عطره:
– هل ترعرعت في أسرة أدبية..وما تأثيرها على موهبتك؟ وما تأثير اختصاصك الأكاديمي باللغة العربية.. هل صقل تجربتك في كل من الشعر والكلمة؟
— لاشك بأن للأسرة تأثيراً كبيراً برعاية موهبتي حيث كان والدي شاعراً يقتني مكتبة عامرة, ينكب على قراءة كل ما فيها بشغف، عندما لمس بذور الإبداع لدي راح يشجعني ويزودني بالكتب التي تناسب سني فبدأت بكتابة القصة القصيرة والخاطرة والشعر المحكي وأنا في المرحلة الثانوية تحت رعاية وأنظار والدي, أما دراستي الجامعية للأدب العربي فكان لها الدور البارز بصقل موهبتي وفتح آفاق جديدة.
– هل يمكن أن تحدثنا عن انطلاقتك الفنية ومن هم أوائل الفنانين الذين تعاملت معهم؟
–كانت الإذاعة هي النافذة الوحيدة للعالم الفني في ذلك الوقت,تجسدت تجربتي الأولى بأن قدمت أربع أغان للإذاعة فوافقوا على ثلاث أغان منهم وتم تسجيلها في إذاعة دمشق فورا هي (تنعمر سد, يا بوجبين العالي..)، ثم تعرفت على الفنان الياس كرم من خلالها ونشأت بيني وبينه صداقة عميقة وعلاقات أسرية حيث سبقني قبل معرفتي به أخي طلال جنيد حيث لحن له مجموعة أغان في الرقة, فقدمت له بين (27و28) أغنية أبرزها «ياوليف الزين» و«هي سورية», استمرت رحلتي معه وقتا طويلا بين بيروت ودمشق فأثمرت أعمالاً رائعة من كلماتي وألحانه منها «مملكتي السعيدة» وائل كفوري, و«فكر بالموضوع وقلي» كلوديا الشمالي، وأغنية «يا روحي شو هالحالة» لعازار حبيب التي لحنها سهيل عرفة, أما «انت يلي بحبك أنت» لحنها وغناها محمد جمال, «يا معلم قلبي ع الحب» لطروب, «شفت الزينة» دريد عواضة, وأغنية «عسلي» غناها نجيب السراج,أما سهام ابراهيم فأعطيتها أغنية «ناطره عند البوابة» فكانت بداية انطلاقتها, وقدمت لجان خليل عدة أغان منها «حبيبي أنت»، ولحن سهيل عرفة مجموعة من كلماتي لمروان محفوض ودلال الشمالي، وقدمت عدة شارات لمسلسلات للكبار والأطفال.
– كانت لك تجربة فريدة مع الفنان فؤاد غازي حبذا لو حدثتنا عنها؟
— كان بدايتي أنا و فؤاد غازي بنفس الفترة الزمنية, حيث سبقته بمدة وجيزة، فتعرفت عليه في دمشق بمبنى الإذاعة والتلفزيون, وتحولت لصداقة متينة وأخوة قدمت له واحداً وعشرين أغنية تقريبا شعبي حديث، ولكنني كنت أحرص على تنوع أغانيه وضرورة حصوله على أغان من شعراء أخرين فكنت الصديق الناصح بإبداء الرأي باختيار أغانيه, وقد ساهمنا معاً في إرساء دعائم الأغنية السورية, استطاع فؤاد دخول البيوت الدمشقية كونها بوابة الفن، وأصبح له جمهور عريض فهو من أجمل الأصوات التي ظهرت على الساحة السورية.
– التقيت الشحرورة صباح وحصل بينك وبينها تعاون مميز حدثنا عنه؟
— حصل لقائي الأول مع الشحرورة في فندق الفاندوم بدمشق, فاختارت أغنية على أن يلحنها لها فلمون وهبي «هيدا قلبي وحرا فيه « لكنه توفي قبل أن يلحنها، كنت أحلم بأن تغني إحدى أغنياتي, ثم لاحقا سافرت إلى لبنان لأقدم للياس كرم مجموعة من خمس أغنيات على أن يلحنهم للشحرورة،فغنت ثلاث أغان منها في كنز الأسطورة فنجحوا.
والشحرورة رحمها الله على المستوى الإنساني رائعة وقمة بالتواضع والإنسانية.
– هل لك تجارب بالشعر العربي الفصيح ولماذا اتجهت نحو الشعر الغنائي؟
— كانت انطلاقتي من خلال الشعر العربي الفصيح, ولكن اقتصرت مشاركاتي بها على الأمسيات الشعرية، لكنني وجدت نفسي في مجال الشعر الغنائي أكثر، ووجدت أنني امتلك مقدرة على العطاء وإثبات الذات أكثر من أي صنف أخر.
– هل كان لك تجربة مع الأطفال بحساسيتهم؟
نعم.. قدمت للأطفال مجموعة أغان غناها توفيق العشا وألحان زهير عيساوي وراشد الشيخ «نحنا الطلاب الشطارى» و«المرحى لمين».
– ماهي دعائم الأغنية الناجحة برأيك من خلال تجربتك؟
— إن الأغنية تخاطب الوجدان من خلال الكلمة واللحن والصوت لتبقى في الذاكرة أطول زمن،فأنا لا أقدم أغنية لصوت دون المستوى أو لحناً ليس جيداً,وأغلب الأغاني التي كان لها صدى ولاقت نجاحاً كانت نتاج تعاون وثيق بيني وبين الملحن.
– كيف ترى واقع الأغنية السورية، أين هي؟
— تعاني الأغنية السورية الخاصة من هبوط بمستوى الكلمة بسبب الاستسهال والالحان المتشابهة, والعمل على ايقاظ الغرائز والتكرار بالمفردات والمواضيع, لذلك نراها تموت وتختفي بعد فترة وجيزة.
ويعود سبب تردي الأغنية لعدم وجود رقابة حقيقية إلا في الإذاعة والتلفزيون حيث لا تقدم إلا الأغاني الراقية وضمن ضوابط, بينما تنتشر الشركات الخاصة التي هدفها الربح التجاري وعدم النظر للأغنية كفن جمالي يسهم في بناء الوجدان ولغياب الرقابة المسؤولة من قبل المعنيين وعدم وجود ثقافة فنية حقيقية لدى الكثيرين ممن يقومون بالغناء لحناً و كلمة ما يعسر ولادة أغنية لها مواصفات الأغنية الحقيقية.
وأنا لا أعتبر نفسي مرشداً ولا قيماً على الأمور, ولكنني حالياً منكفئ على نفسي وأكتب لذاتي.
– بظل هذا الواقع المتردي للأغنية هل لديك نظرة في الأفق لحلول بهدف تحصين الأجيال وتحقيق دلالة بأن الفن رسالة؟
— نستطيع النهوض بالأغنية من خلال الابتعاد عن الأغنية التجارية قدر المستطاع, وأن يقدم الكتاب والملحنون الأغنية الهادفة البعيدة عن التكرار الممجوج والمستهلك, وإن يمتلكوا حساً عالياً بالمسؤولية والابتعاد عن الأغاني الرخيصة والمستهلكة لأن المتلقي هو أخي وأخوك, ولدي وولدك.
وأن يكون الأمر برأيي محصوراً بمرجعية لأصحاب الخبرة بكتابة الكلمة واللحن الموسيقي,وتوقف الإذاعات الرسمية عن إذاعة الأغنيات التي تعتمد على الشكل والغواية والإيقاع والمضمون الهابط.
سلوى الديب
التاريخ: الثلاثاء 15-1-2019
رقم العدد : 16883
التالي