الملحق الثقافي-سلام الفاضل:
وصفي القرنفلي هو الشاعر المتوحد، ذو العالم المفتوح المغلق، الواسع الضيق، عاش بالرصيد الذي لا يفنى من كرامته، وكان على الرغم من مرضه، وسنه المتقدمة، وعزلته القاسية، حديث الكرامة، وبقيت عزة النفس موضوعه الأجل.
في العدد الجديد من سلسلة «أعلام ومبدعون» الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب جاء الكتاب الشهري لليافعة (وصفي القرنفلي)، تأليف: مصطفى أنيس الحسون، لرصد حياة هذا الشاعر المجدد، في محاولة للوقوف على أبرز المحطات فيها، وتعريف القرّاء والناشئة به وببعض من أشعاره.
المولد والنشأة
ولد الشاعر وصفي كامل القرنفلي في حي (الورشة) أحد أحياء مدينة حمص الشعبية عام 1911، وتلقّى علومه الابتدائية في المدارس الأرثوذكسية فيها. في الصف الحادي عشر أنهى القرنفلي دراسته والتحق بالعمل إلا أنه لم ينقطع عن جو الثقافة والقراءة، حيث استمر في تلقي دروس اللغة العربية على يد أستاذه يوسف شاهين، إلى جانب بعض الدروس التي تلقاها على يد الأستاذ جرجس كنعان. وفي سن السادسة عشرة من عمره تفتق الشعر على لسانه، وشرع في الكتابة عن الحب والوطن.
في عام 1929 التحق القرنفلي بالعمل في دائرة المساحة في حمص وبقي موظفاً فيها إلى جانب متابعته لمسيرته الأدبية والإبداعية إلى أن ألزمه المرض العضال ترك العمل. وقد كان لهذه الوظيفة التي شغلها القرنفلي في دائرة المساحة دور مهم في تعرّفه الجغرافية السورية، والالتحام مع طبيعتها التي نرى ملامحها قد صبغت شعره، وروحه.
شكّل القرنفلي مع كل من عبد الباسط الصوفي، وعبد السلام عيون السود ثالوثاً أدبياً تحدث عنه الكثير من النقاد والمتابعين، وعن أثره في تكوين اتجاه أدبي ميز أعضاءه من سواهم من أدباء العصر، ومن ذلك ما قاله ممدوح سكاف: «القرنفلي، والصوفي، وعيون السود الشعراء الأصدقاء الذين حاولوا أن يشقوا للشعر العربي المعاصر في سورية درباً جديداً، ويخرجوه من قمقم التقليد».
رسالة القرنفلي الأدبية
اتسم شعر القرنفلي بصبغة خاصة تعبر عن نبض الواقع الذي يعيشه بنسيج واحد، لا تنفصم عراه، وإن اختلفت طرائق التناول أو الموضوعات أو المناسبات. فقد اهتم القرنفلي بالطبيعة بكل ما فيها من جمال يضفي على النفس ما يحقق لها تطلعاتها نحو حياة أفضل، ودأب أن يثبت انتماءه إلى المجتمع الإنساني بعيداً عن أي جغرافية؛ فجاء صوته ليمثل صوت المتعبين والكادحين، وارتفع صداحاً ينادي بالعدالة والحرية المطلقة للشعوب المقهورة، أينما وجدت، انطلاقاً من مجتمعه ووصولاً إلى الإنسانية جمعاء.
عبّر القرنفلي عن انتمائه إلى العروبة واعتزازه بها في غير موضع على الرغم من موقفه من بعض العرب، ولم يتخلَ كذلك عن الجانب الوجداني في شعره فتصدى للغزل متمرداً كعادته على القيود، وعاش نبض الطفولة في قلوب الناس ساعياً إلى بناء عالم يجدون فيه السعادة والأمان وجاء كل ذلك بلغة عربية جزلة تمخضت عن حب القرنفلي لهذه اللغة، واعتداده بها، واهتمامه بدراسة فنونها الأدبية.
أصيب القرنفلي بمرض (الباركنسون) الذي أقعده عن الحركة، وحين يئس من الشفاء، توقف عن الشعر واضعاً حداً لنهايته الأدبية، إلى أن وافته المنية بعد صراع طويل مع المرض صباح يوم الثلاثاء في الثاني عشر من شهر كانون الأول عام 1972.
التاريخ: الثلاثاء 15-1-2019
رقم العدد : 16885