يَصحو العالم كل يوم على أزمة جديدة أو يَتلمس ملامحها، وتَصحو منطقتنا كل صباح على عناوين لا تُؤشر إلا على مُحاولات لتعميق أزماتها، ولو جرى البحث بجدية عن الأسباب، فلن يكون صعباً وضعُ اليد على الحقيقة الكاملة من أنّ ما يقف خلف الحالة هي أميركا، سياساتُها، أطماعُها، مخططاتُها، حروبها، ومشاريعها العدوانية، ودائماً ما تُحاول فرضه وتَعميمه لحماية إسرائيل.
عَدّاد الزيارات التي يقوم بها المسؤولون الأميركيون إلى منطقتنا، وحول العالم، وعَدّاد تصريحاتهم الفجّة والاستفزازية التي لا يَحكمها عرف ولا قانون ولا مبدأ، يَفضحان الأمر، ويَكشفان بلا مُواربة العهر السياسي الذي تُمارسه واشنطن، لجهة تدخلها بأدق التفاصيل الداخلية للدول التي يُفترض أنها سيادية ممنوعٌ الاقتراب منها حتى على سبيل تقديم النُّصح، أم لجهة زرع الخلافات بين أبناء البيت الواحد، قومياً، قارياً، إقليمياً، حتى وصل بها الحال للعبث بالتكتلات المُتجانسة، لتزرع الشقاق داخل الأجزاء ذاتها، ولا تكتفي بتفكيك المُكونات!.
لماذا يَقف النادي الأوروبي اليوم أمام تحدي الانهيار؟ لماذا تَبدو وحدة العرب مُستحيلة، بل لماذا يَنفرط البيت الخليجي (مجلس التآمر خاصته) ولماذا تَنبت الخصومات الحادّة بين مَحمياته – وهي محميات أميركية خالصة – ولماذا يُصبح مُستحيلاً عليها أن تعود إلى ما كانت عليه رغم مساوئه؟ ومَن الحدّاد الذي يَصنع حالة العداء بين روسيا وبعض جيرانها ممن لا يُجيدون الحديث إلا باللغة الروسية، سوى أميركا؟.
الشرقُ الأوسط الجديد، دول الاعتدال العربي، الناتو العربي الإسرائيلي، التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، التحالف العربي بقيادة السعودية.. الخ، مُصطلحات سياسية وتكتلات لا هدف لها سوى ممارسة العدوان إمعاناً بالتفكيك، هي من اختراع أميركا، حصرياً هي من يَبتدعها، ودائماً من أجل أهداف واحدة، حماية أمن إسرائيل، ضمان تمكين الهيمنة والسيطرة الأميركية، وخدمة مصالح الغرب كشريك وتابع!.
بمعنى آخر، أو بالمقابل، العمل لتفكيك كل مشروع عربي وحدوي مُشترك، يُوحد، يُعمق، يُصلب، يَتبنى فلسطين وقضايا الأمة، ولضرب وإضعاف كل حالة دولية أو إقليمية تُشكل خطراً على ما تَقدَّم أو يُسهم بتعطيل ومنع تحقيق الغايات الصهيوأميركية التي يلتحق بها الغرب ولا يَتخلف عن دعمها.
(مُنتدى غاز الشرق المتوسط) عنوانٌ جديد يُطرح اليوم بالمنطقة ويُعقد فيها، وقمّة عالمية حول الشرق الأوسط تُعقد بوقت لاحق في وارسو، ولا أحد يَعلم ما العناوين التي تَشغل الدوائر الأميركية للمُستقبل، لكنّ الغاية معروفة معلومة، دققوا دائماً بالجهات التي تُدعى وتلك التي تُستبعد، ليَتضح لكم من المُستهدف، وما الغاية، سياسية كانت أم اقتصادية؟.
نَفهم استبعاد دعوة سورية ولبنان، ونفهم عدم التفكير بجعلهما عضوين بمُنتدى الغاز إياه الذي فيه (إسرائيل) ركن أساسي، لكن لماذا تُستبعد تركيا مثلاً؟ هل هناك سبب يُسجل سوى لمصلحة أميركا التي نجحت بزرع الخصومة بين القاهرة وأنقرة على مبدأ التفكيك؟ وهل استُبعدت إلا لمُمارسة الضغط عليها في إطار السجال الدائر بين أنقرة وواشنطن على خلفيات لا علاقة لها إلا بقذارة الدور الذي تُمارسانه، ليَبقى احتمال ضم أنقرة للمُنتدى لاحقاً احتمال وارد لمُجرد إنتاج تفاهمات جديدة تجمعها مع واشنطن؟!.
نحن صُلب قائمة الأهداف الصهيوأميركية، سورية ،حزب الله، إيران، وعلى طرفي القائمة تُضاف جهات إقليمية وبعض الأطراف الدولية المُستهدفة أيضاً، مرّة بسبب دورها الداعم لنا، لحقوقنا ولمبادئ الشرعية الدولية، وأُخرى بسبب كونها قوة مُنافسة لأميركا التي تتكسر مشاريعها وتفشل مُخططاتها لا لأنها ضعيفة وغير مَحبوكة، ولا لأن عناصر القوة تَنقصها، بل لأننا نحن أقوياء، نقوم بواجبنا الوطني والأخلاقي، وسنَبقى، ولن نَنتظر التحاقَ الذين لا يَعرفون معنىً للسيادة والاستقلال!.
كتب علي نصر الله
التاريخ: الأربعاء 16-1-2019
رقم العدد : 16886