كانوا قديما يقولون: الناس شركاء بثلاثة أشياء: الماء والهواء والنار, ترى لماذا لا نقول اليوم إنها أربعةاشياء. نضيف إليها المعرفة بشتى وسائلها.
ربما سيقول أحد ما: إن الامر ليس مجانيا, وسنرد نعم ليس كذلك. لكن من قال إن الهواء بقي مجانيا. هو او الماء. او النار؟ أليس الثمن يدفع قبل أن نصل إليها؟؟
المعرفة ووسيلتها الأولى هي الكتاب و ثمنها غال جدا. وحقوق المؤلف أو المفكر ايضا مهمة جدا. لكن بعد فترة من الزمن تعود الحقوق عامة! وهذا ما ينظمه قانون الملكية الفكرية.
فثمة كتب مهمة جدا يجب أن تبقى قيد التداول والطباعة بعد فترة من الزمن تصبح ملكا للجميع تعاد طباعتها ونشرها من قبل من يرغب, الجديد في الامر ان الولايات المتحدة التي نقول إنها لا تقرأ تقدم كل عام قائمة بالكتب التي تدخل ما تسميه الملكية العامة, أخبار الأدب المصرية توقفت عند هذا الخبر. وقدمته منصورة عز الدين قائلة:
نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» مؤخراً موضوعاً عن أن العام الحالي سوف يشهد دخول عدد كبير من الأعمال المهمة في نطاق الملكية العامة، وسوف يمنحها هذا حياة جديدة، إذ ستخرج من سجن السيطرة الحصرية للناشر مالك الحقوق، وسيكون من السهل إعادة طبعها لدى دور نشر أخرى ورقياً وإلكترونياً دون محاذير.
من بين هذه الأعمال «النبي» لجبران خليل جبران مع عناوين لمارسيل بروست، د. ه. لورانس، أجاثا كريستي، جوزيف كونراد، كاترين مانسفيلد، روديار كيبلنج وآخرين.
وخلال الأعوام القادمة ستتبعها عناوين أخرى لمجموعة من أهم كتاب القرن العشرين بالنظر إلى أن عقد العشرينيات في هذا القرن شهد نهضة أدبية كبرى في الغرب.
هذه العناوين ستجد مكانها في كلاسيكيات بنجوين وغيرها من السلاسل المرموقة، كما ستظهر منها طبعات لدى دور نشر أقل شهرة، وقد يكون بين هذه الطبعات ما يفتقر إلى الجودة والدقة المرجوة، لكن في المجمل فإن دخول عمل قديم في نطاق الملكية العامة غير المحكومة بمحددات حقوق الملكية الفكرية، يُعد في الغرب بعثاً جديداً لهذا العمل وحياة بل ربما حيوات أخرى تُمنح له.
في المقابل ثمة كنوز لدينا لا يهتم أحد بتوفيرها للأجيال الجديدة رغم دخولها نطاق الملكية العامة قبل عقود. في حالات كثيرة، يكاد ينتهي ذكر كتاب كثيرين مهمين بمجرد وفاتهم، إذ يصبح من شبه المستحيل العثور على أعمالهم إلا إذا حرص قارئ مهتم على رفعها على الإنترنت في صيغة إلكترونية وإتاحتها للآخرين.
هناك كتاب محظوظون بورثة يهتمون بكل ما يخص حفظ تراثهم الأدبي، في حين أن هناك من يعرقل ورثتهم محاولات إعادة طبع أعمالهم، لأسباب شتى. وفي الحالة الأخيرة، تأتي مرحلة الملكية العامة بوصفها إنقاذاً من تحكم طرف بعينه في التركة الأدبية لهذا الكاتب أو ذاك. غير أنه في كل الأحوال، قليلة هي دور النشر العربية المهتمة باستعادة كتاب راحلين توارت كتبهم ونُسيت.
غني عن القول: إن المسافة شاسعة بين أسواق نشر ذات تقاليد راسخة وسوق النشر العربي الموسوم -في معظمه- بالفوضى وعدم احترام حقوق المؤلفين وسوء التوزيع من جهة، والمُحاصر بالبيروقراطية والقوانين المعطِلة من جهة أخرى. فالناشر الغربي، في حالة إعادة طبعه للأعمال التي لم تعد محمية بقانون الملكية الفكرية، يعرف أنه المستفيد بنشر عمل مهم لن يضطر لدفع أموال للحصول على حق ملكيته، وسوف يجد قراءً راغبين في شرائه، أما الناشر العربي فلا يدفع في الغالب لمؤلفيه الأحياء مقابل نشر أعمالهم، بل على العكس هناك من يحصل على نقود من المؤلفين لإصدار كتبهم التي لا يهتم بتسويقها وتوزيعها ما دامت لم تكلفه شيئاً. فهل ننتظر منه اهتماماً بالكتاب الراحلين؟!
دائرة الثقافة
التاريخ: الاثنين 21-1-2019
الرقم: 16890