الملحق الثقافي..الكتاب: هيرمان هسه.. سيرة مصورة
الكاتب: فولكر ميتشلز
المترجم: ثائر ديب
الناشر: دار فواصل للنشر، اللاذقية
منذ قراءتي أول رواية لهيرمان هسه، اكتشفت أن عالماً ساحراً انفتح أمامي ودعاني إلى الدخول إليه. كان هذا العالم رافضاً للهمجية ومناصراً للسعادة البشرية أينما كانت. لا حدود لجغرافية الحب والتعاطف الإنساني. فالإنسان محور هذا الكون، وله يجب أن تشاد كل الأشياء الجميلة.
«نرسيس وغولدموند» من بين الروايات الأثيرة لديّ، وهي تبرز تناقض الشخصية الإنسانية، وترفض العيش ضمن قوانين نسميها «أخلاقية»، فيما هي تقزم الإنسان وترديه وتثبط ما يملك من حيوية. أما «ذئب البراري» فهي الرواية التي ينفذ من خلالها هسه إلى أعماق الإنسان وهواجسه ونفيه للآخر بذرائع شتى. وينهي هسه روائعه برواية «لعبة الكريات الزجاجية» وهي هرم عقلي بامتياز، تمثل سعي الإنسان لإيجاد معنى لهذه الحياة والكون.
روايات هيرمان هسه الثلاث السابقة، إضافة إلى «روسهالده» و»غرترود» و»تحت الدولاب» هي سيرة حياة هسه نفسه. إنها تجاربه الحياتية بدءاً من دخوله المدرسة وانتهاء بكونه كاتباً مشهوراً في العالم كله.
يجلب فولكر ميتشلز سيرة لهيرمان هسه كتبها بيده ويضعها مقدمة لكتاب عنونه «هيرمان هسه.. سيرة مصورة» صدر عن دار فواصل، وترجمه ثائر ديب. ويضيف ميتشلز لهذه السيرة صوراً لهيرمان هسه من طفولته إلى كهولته، مع تعليقات على هذه الصور. ثم يسرد في نهاية الكتاب سرداً لأهم مفاصل حياة هسه وإصداراته.
يقول هسه: «ولدت قرابة نهاية العصر الحديث، قبل عودة العصور الوسطى بوقت وجيز»، وهنا يعني هسه أن العالم قد ارتد إلى الهمجية والعنف بداية القرن العشرين وحتى منتصفه، والدليل على ذلك قيام حربين عالميتين دمرت شعور الإنسان بقيمته وحرفت العقل الإنساني إلى التفكير في مغزى الوجود ككل. ولأن هسه ولد في نهاية القرن التاسع عشر، قرن الإبداع، فقد آلمه أن يرى الإنسان الأوروبي يشهر سيفه ويأكل أخيه بمتعة.
ويتحدث هسه عن طفولته «كان من حسن حظي أنني تعلمت، حتى قبل بدء سنواتي الدراسية، ما هو الأهم والأكثر قيمة في الحياة؛ كانت لدي حواس مرهفة متطورة أشد التطور، أستطيع أن أعتمد عليها وأستمد منها متعة عظيمة، وإذا ما كنت قد استسلمت لاحقاً بلا رجعة لغوايات الميتافيزيقا بل وعاقبت حواسي وأهملتها إلى حين، فإن خلفية من نزعة حسية لقيت رعاية حنونة رافقتني على الدوام».
هذه الحساسية المرهفة والمشاعر المرهفة التي تمتع بها هسه، جعلته يفكر في أن يكون شاعراً، ورأى أنه إن لم يكن شاعراً، فلن يكون شيئاً آخر. وهذه المشاعر هي أيضاً ما دفعت هسه لأن يبدأ تصرفات لا تطاق، لدرجة أنه طرد من مدرسة إلى أخرى، ومن ثم دخل مدرسة اللاهوت وطرد منها، وفيما بعد التحق بمدرسة ألمانية وكان الحجز والطرد هما الخاتمة أيضاً. وبعدها «تدربت لدى تاجر ثلاثة أيام، وهربت من جديد واختفيت، ما أثار لدى والدي أشد الأسى أياماً وليالي. ثم أعنت أبي طوال ستة أشهر، وعملت في ورشة ميكانيكية وفي مصنع لساعات الأبراج لعام ونصف العام».
ويعترف بأنه لم يُجد معه أي شيء على مدى أربع سنوات، لا مدرسة قبلت به وأبقته، ولا أكمل تعليمه، وقد انتهى إلى الفضل التام في محاولة لجعله كائناً بشرياً ذا نفع، كما يقول. العار والطرد والفضيحة كانت تلاحقه في مكان يعمل فيه أو ينتسب إليه.
وها هي الكتب تقبل به، فيقبل بسرور على مكتبة جده الضخمة، وقرأ بنهم جميع كتب الأدب والفلسفة الألمانية في القرن الثامن عشر، وقرأ نصف أدب العالم وانكب على تاريخ الفن واللغات والفلسفة بدأب كان يكفي لأي مسيرة جامعية معتادة.
ويتابع: «عملت بعد ذلك في مكتبة كي أكسب قوتي. ولطالما ربطتني بالكتب تلك العلاقة الحسنة قياساً بعلاقتي بالملازم والمسننات التي عذبت نفسي بها حين عملت ميكانيكياً».
في السادسة والعشرين من عمره يترك عمله في دكان للأنتيكات، بسبب نجاحه الأدبي الأول. ويعترف بنفسه شاعراً الآن وقد كسب نفسه، ولكن المعركة طويلة وشرسة مع هذا العالم. «لقد انتصرت، ولو فعلت الآن أسخف الأشياء وأشدها تفاهة لبدت فاتنة، كما كنت مفتوناً بنفسي أشد الفتنة. وأدركت عندئذ لأول مرة في أي عزلة موحشة، وأي زهد، وأي خطر كنت أعيش عاماً بعد عام، وأفادني نسيم الإدراك الدافئ، ورحت أتحول إلى رجل رضي».
طبعاً لا يمكن لشاعر ومفكر كهيرمان هسه أن يرضى ولا بأي شكل، لأن المعادلة الإنسانية غير ناجحة ومتوازنة؛ فمن يقرأ أعماله بعد ذلك التاريخ، سيرى أن هذا الشاعر رافض لكل القيم التي يقول بها عصره، ومستاء من كل القوانين التي تحبط الإنسان وتخرب ذوقه وتقضي على جماليات الوجود. وهو طبعاً سيكتشف ذلك بعد أعوام من نجاحه الأدبي: «اتضح أن رفاهنا السابق كان قائماً على أسس مزعزعة، ولذلك تبدأ الآن مرحلة من البؤس.. ولذلك عدت إلى نفسي ثانية وإلى الصراع مع محيطي».
لقد فعلت الحرب العالمية فعلها على هيرمان هيسه وعلى أبناء جيله من الكتاب والشعراء. لقد أثبتت الحرب أن العقل الأوروبي مريض، وعدواني وخاضع لرؤى لاإنسانية بالمطلق. كيف يمكن للناس أن يقتلوا بعضهم ويبرروا ذلك؟ كيف يمكن أن نشرعن القتل؟ كيف يمكن لبعض الناس أن يمجدوا الكوارث. وبالنسبة لهسه فإنه شعر بأنه آثم وتساءل: «كيف أصبحت طرفاً في هذا الإثم؟ كيف يمكن أن أستعيد براءتي؟». اتهم بالخيانة أثناء الحرب، وكتبوا المقالات الشنيعة عنه، ولكنه استفاد من هذه الفاجعة بأن غير نمط حياته «لكنه كان لدي حتى في سنوات الحرب، وكنوع من التعويض، شيء أشبه بالفأل الحسن أو الملاك الحارس. فحين كنت أشعر على مدار الساعة، وحتى بداية التحول، أن قدري قد انصرف إلى لعنها وشتمها، عملت تلك الآلام ذاتها، مثل درع وترس في مواجهة العالم الخارجي… ومع نهاية الحرب تزامن اكتمال تحولي مع بلوغ آلامي ذروتها».
انسحب إلى ركن قصي في سويسرا، في ربيع عام 1919، ولم تعد الكتابة تمنحه أي بهجة، ولكنه أراد أن يحظى ببعض البهجة كي يستمر في الحياة. بدأ الرسم وهو في الأربعين من عمره، ووجد الرسم رائعاً ويجعل الإنسان أسعد وأكثر صبراً. ولكن الموسيقا راحت تستغرقه في الأعوام التالية، وصار طموحه أن يكتب نوعاً من الأوبرا لا تنظر إلى الحياة الإنسانية في واقعها المزعوم، بل تسخر منها في الحقيقة. ولكنه اقتنع أنه لا يملك الموهبة في التأليف الموسيقي.
عانى هسه تجربة السجن وهو في السبعين من عمره، ويعترف بهذا قائلاً: «حين تخطيت السبعين، وبعيد أن منحتني جامعتان درجات الشرف، قُدمت للمحاكمة بتهمة إغواء فتاة يافعة عن طريق السحر. وفي السجن التمست السماح بأن أقضي الوقت في الرسم. وهكذا عدت إلى الفن مرة أخرى».
سيرة
ولد هيرمان هسه عام 1877 في كالف. وفي عام 1892 حاول الانتحار وأدخل عيادة للأمراض العصبية. نشر رواية «بيتر كامينتزيند» عام 1904، وبعد عامين نشر «تحت الدولاب»، وفي عام 1910 نشر «غرترود»، ثم قصائد «على الطريق» وقصص «انعطافات» و»لوحات من رحلة هندية»، وفي عام 1914 نشر روايته «روسهالده»، وهو العام الذي اندلعت فيه الحرب العالمية الأولى. وقد دعي إلى الخدمة، ثم جرى تأجيله لأنه وجد غير مناسب للخدمة العسكرية. حرر صحيفتين لأسرى الحرب الألمان وأدارهما. وأسس شركة مستقلة للنشر خاصة بأسرى الحرب.
في عام 1915 وقع تحت ضغط انهيار عصبي، وتولى علاجه النفسي الأول لانغ تلميد كارل يونغ. وبعد نهاية الحرب نشر كراساً سياسياً بعنوان «عودة زرادشت» ورواية «دميان»وفي عام 920 نشر «صيف كلينغكسور الأخير» و»تجوال»، وفي العام 1921 أصيب بأزمة نفسية وتولى علاجه كارل غوستاف يونغ قرب زيوريخ. وفي العام التالي يصدر «سيدهارتا». وتصدر «ذئب البراري» عام 1927، وفي 1930 نشر «نرسيس وغولدموند، ثم «رحلة إلى الشرق». وخلال الحرب العالمية الثانية تمنع أعماله في ألمانيا. وقبل أن تنتهي الحرب بعامين صدرت روايته العميقة «لعبة الكريات الزجاجية». وصدرت أعماله الكاملة في سبعة مجلدات عام 1957، وتوفي عام 1962.
منح جائزة غوته، وجائزة نوبل، وجائزة السلام من رابطة الناشرين الألمان. وأسست جائزة باسم «هيرمان هسه» تمنحها جمعية تطوير الفن الألماني في بادن وروتمبرغ.
الكتاب: هيرمان هسه.. سيرة مصورة
الكاتب: فولكر ميتشلز
المترجم: ثائر ديب
الناشر: دار فواصل للنشر، اللاذقية