كانت محاولة التوثيق الثانية تلك التي قام بها الناقد طارق الشريف أول رئيس تحرير لمجلة (الحياة التشكيلية) من خلال سلسلة من المقالات نشرها في الأعداد الأولى للمجلة منذ عام 1980 عن جيل الرواد وجيل التحرر، ثم عن اتجاهات فن التشكيل السوري الحديث، يضاف إليها عدد كبير من المقالات عن الفنانين التشكيلين السوريين.
ولد طارق الشريف في دمشق عام 1935 ودرس الفلسفة في جامعتها، حيث أثارت اهتمامه منذ وقت مبكر المواضيع الجمالية والفنية التي تضمنتها مناهج الكلية، فتابع الآراء والدراسات النظرية لكبار الفلاسفة في مجال علم الجمال والنقد الفني أمثال (كانت) و(هيغل) و(سارتر) وسواهم، وفي الوقت ذاته، تابع المعارض الفنية المحلية، وأقام صلة وثيقة مع عدد من الفنانين التشكيليين السوريين أصحاب التجارب الرائدة ومنهم (الأخوان أدهم ونعيم إسماعيل، وعبد القادر أرناؤوط، ومروان قصاب باشي). وبتأثير هذه المتابعة المزدوجة، بدأ يكتب عن تجاربهم بتطبيق الدراسات النظرية على لوحاتهم في صحيفة الوحدة التي كانت تصدر في دمشق زمن الوحدة مع مصر(صحيفة الثورة حالياً) والتي حقق فيها سابقة غير مألوفة حين خصصت له صفحة كاملة لندوة أعدها عن معرض الخريف، المعرض الرسمي الذي كان يقام في دمشق سنوياً، والذي تولى فيما بعد مسؤولية إدارته في ذروة تألق الحياة التشكيلية السورية. وإلى ذلك نشر في الصحيفة الكثير من المقالات النظرية عن الفن التشكيلي، كما ترجم عدداً من البحوث، في عام 1959 نال درجة الإجازة في الفلسفة، وفي العام التالي عمل في وزارة الثقافة المؤسَسة حديثاً ليبقى فيها حتى تقاعده عام 2001. وفي مرحلة تالية تركز اهتمامه حول الاتجاهات الراهنة في الفن التشكيلي السوري (أواخر الستينات) وسعي التجارب الرائدة للمواءمة بين التأثيرات الغربية المعاصرة، والإرث الفني المحلي، وتجلى هذا في كتابه (عشرون فناناً من سورية) الذي أنجزه عام 1969، وصدر عن وزارة الثقافة عام1972 متضمناً مقالات عن عشرين فنانٍ كتبها بين عامي 1967و 1968، في الوقت الذي كان يتابع فيه بحثه حول بدايات الفن التشكيلي السوري، هذا البحث الذي أسس لمحاولته الرائدة لتأريخ هذا الفن، والتي نشرها في مطلع الثمانينات، إلى جانب عدد يصعب حصره من المقالات والبحوث والدراسات، نشر طارق الشريف عدداً من الكتب، منها: عشرون فناناً من سورية، بول سيزان، نعيم إسماعيل، وقصة في لوحات، فاتح المدرس، والفن التشكيلي المعاصر في سورية (الذي أصدرته صالة أتاسي)، الفن واللا فن، لؤي كيالي، وصدر آخر كتبه بعد رحيله وكان بعنوان (نذير نبعه.. فنان الواقعية).
في عام 1973 نشر الناقد الدكتور عبد العزيز علون دراسة جزئية تحت عنوان (تاريخ النحت المعاصر في سورية) سعت لتوثيق هذا التاريخ، ثم أتبعها عام 2004 بكتاب كبير تحت عنوان (منعطف الستينات في تاريخ الفنون الجميلة المعاصرة في سورية) استعرض فيه تجارب عدد من الفنانين المعاصرين الذين استضافت صالة الفن الحديث معارضهم، بحيث كان الكتاب في واقع الحال – مع أهميته- تاريخاً للصالة، لا للفن التشكيلي السوري، وهو الأمر الذي تكرر – بشكل ما – مع الكتاب الذي أصدرته صالة أتاسي عام 1998 تحت عنوان (الفن التشكيلي المعاصر في سورية)، وكتب نصه الرئيسي الناقد طارق الشريف، كما أشير سابقاً، فهذا الكتاب الفخم غابت عنه أسماء ذات حضور مهم في الفن التشكيلي السوري، وبالمقابل كرس بحث طارق الشريف منهجه في تقسيم الفن التشكيلي السوري إلى ثلاثة أجيال: (الرواد والمحدثون والمعاصرون)، وهو المنهج المعتمد من معظم العاملين في مجال تأريخ وتوثيق الفن التشكيلي السوري، ومنهم الناقد والفنان طاهر البني الذي اعتمد التقسيم ذاته في كتابه (ذاكرة الفن التشكيلي في سورية) الصادر عام 2003-2005 في ثلاثة أجزاء عن وزارة الثقافة في دمشق، وقد مهّد الجزءان الأولان للحديث عن الحركة التشكيلية التي نهضت في سورية منذ مطلع القرن العشرين، والتي تم استعراضها وفق ثلاث مراحل: المرحلة الأولى انصب الاهتمام فيها على المذاهب الفنية الغربية، والمرحلة الثانية أخذ الفنانون فيها يتطلعون إلى صيغ مستحدثة كالتعبيرية والتكعيبية والسريالية والتجريد، واستلهام التراث الفني المحلي، والمرحلة الثالثة التي نشأت فيها اتجاهات جديدة، تمتلك خصوصيتها، وتشترك مع التجارب المعاصرة لها في حداثة لغتها، وتطور أدواتها. وللحديث تتمة…
www.facebook.com/saad.alkassem
سعد القاسم
التاريخ: الثلاثاء 29-1-2019
الرقم: 16896