بالمبدأ، تتميز المؤسسة العسكرية «الجيوش الوطنية» في الدول عن باقي المؤسسات بأنها تبحث دائماً عن الجاهزية كأنما الحرب واقعة غداً، وتُسخر كل وقتها للتدريب والاستعداد لمواجهة أي عدوان غادر من أي جهة أتى، وتُجري اختبارات جاهزية على نحو دوري لتَقف على الواقع لجهة جاهزية الخطط، الكوادر القيادية والأفراد، صنوف الأسلحة والذخائر، المخازين والمستودعات، وطرق الإمداد .. وما إلى ذلك.
ما يُميز الجيوش الوطنية الملتزمة العقائدية التي تحرس حدود الوطن وتحرص على أمنه واستقراره، أنها تسعى دائماً لتقليص حدود الخطأ وصولاً به إلى الصفر أو العدم، وما يُميزها أنها لا تتساهل مع الخطأ، وتندفع لتصحيحه وتصويبه فوراً، لأنها لا تَقبل أن تكون إلا في أتم الجاهزية في مُحاكاة أي طارئ أو تطورات، فتضمن حُسن التعامل معها انطلاقاً من تقديرات دقيقة للموقف تُعطي كل تطور حجمه الحقيقي، وتكون مُستعدة للتعاطي مع تداعياته واحتمالات تطوره بالاتجاهين.
سواء كان فُجور العدو مَسقوفاً أو مُتخطياً كل عَتبات الفجور وسقوفه، يبقى الجيش الوطني يقظاً مستعداً لأسوأ السيناريوهات، فلا يوجد في قاموسه اختصارات لحصة تدريبية، ولا تهاون مع صيانة دورية، ولا تأجيل لاختبارات جاهزية، تَجري الأمور كما الساعة التي لا تتوقف عقاربها عن الدوران، كلُ أمر في حينه وموعده، وفي إطار البرامج المُخططة والمَوضوعة.
الانتصاراتُ الناجزة التي حققها جيشنا البطل على الإرهاب وداعميه لم تأت من فراغ، وإنما لأنه يَحترم النظام ويُلاحق بمهنية واحتراف مَهامه والأهداف الوطنية لدولته المستقلة ذات السيادة والقرار الحر، وذات الموقع والدور الأكثر أهمية في المنطقة، ولجهة ما ينطوي عليه ويقتضيه الصراع مع الصهيونية العالمية التي تغتصب الأرض والحقوق العربية والفلسطينية.
فرصُ النهوض وإعادة الإعمار التي نتحدث عنها ما كان لنا أن نتحدث فيها لولا انتصارات الجيش وصموده الذي عززه صمود الشعب ووقوفه إلى جانبه وخلف القيادة السياسية والعسكرية الحكيمة والشجاعة، وبالتالي فإنّ الصمود الأسطوري لسورية بذاته خلال سنوات الحرب والعدوان الطويلة يؤكد حقيقة أن سورية تَخطت بنجاح مُذهل أصعب وأعقد اختبارات الجاهزية، حتى صارت الأنموذج والمثال الذي تتجه إليه أنظار أحرار العالم.
الحربُ الاقتصادية المُعلنة على سورية التي افتتحتها الولايات المتحدة مؤخراً بتفعيل مزيد من الإجراءات القاسية والجائرة التي تستهدف مُقومات الحياة ولقمة العيش وحبة الدواء، والتي التحق بها الأوروبيون وآخرون ممن لا قرار لهم وممن يَحملون إرثاً استعمارياً قذراً، هي مُحاولة لاستكمال العدوان بأدوات أخرى على جبهة الاقتصاد بالتوازي مع بقاء واستمرار التهديد القائم عسكرياً بمُحاولة تفريخ أشكال أخرى للحرب الدائرة والعدوان المُستمر، فهل اختبرت واشنطن ومعسكر أدواتها جاهزيتها قبل البدء بمحاولة استهدافنا اقتصادياً على هذا النحو الهستيري؟ وقبل الشروع بوضع بنك أهداف كُبرى، وبسقوف مُرتفعة ستبحث لاحقاً عن طرائق للنزول عنها وقد لا تَجدها؟.
اختباراتُ الجاهزية التي تَخطاها السوريون بثبات ونجاح، قيادة وجيشاً وشعباً، خلال الحرب، وتحديداً 2013 – 2014 حين استَكلَبَ العالم، هي أحدُ مُحددات الانتصار الناجز منه والنهائي، وهي سمتٌ وطنيٌ يُبنى عليه، بمعنى آخر، يُمكننا الادّعاء بأن سورية لا تحتاج تَفقد اختبارات جاهزية جديدة، وستَتخطى بنجاح المرحلة التي لا نُقلل من صعوبتها وتَعقيداتها لكننا لا نَهابها ولا نَخشاها، بل نحن على ثقة ويقين من أنّ لدى سورية القدرة لتُطفئ وتَرد كل النيران المُحتملة، ولتُطوق مع أصدقائها وحلفائها جميع الأخطار المُثارة على جبهة الاقتصاد. وما على حلف العدوان إلا أن يَتفقد جاهزيته لا على مُواصلة العدوان، وإنما ليُجري اختبارات ذاتية يَختبر فيها قدرته على تَجرع الهزيمة مُجدداً.
معاً على الطريق
علي نصر الله
التاريخ: الخميس 31-1-2019
رقم العدد : 16898
السابق
التالي