كثيراً من الأحيان أعقد العزم على أن أكتب فكرة ما كانت قد تشكلت من خلال متابعة الأزرق المتهم بما فيه، وما ليس فيه، اعمل على لم شعثها من هنا وهناك، اتركها فترة من الزمن لعلها تتخمر وتبدو أكثر هدوءاً، وتنتمي إلى هويتي يالكتابة، أمس حين حان وقت نقش هذه الزاوية، كان العزم فعلاً على شيء آخر، لكن تجري سفن الحبر بما لا يشتهي القلم، وبما لا يوده المرء أحياناً.
في دورة البحث عن راتب موطن بصراف نعرف قصته، بدأت من مبنى صحيفتنا دوار كفرسوسة، إلى البرامكة، إلى أبي رمانة، الخيبة تلو الخيبة، كان زميلي يبدي شيئاً من الامتعاض كلما غذ بنا المسير نحو نقطة ما، نظن أنها ستكون ملاذاً لنا، سنجد صرافاً، لكن دون جدوى، في منعطفات الخيبة الآنية قلت له: لماذا لا نتجه إلى الشعلان فصرافات العقاري المركزي، لم يبد ِجوابا وعلى مبدأ ( مكره أخاك لابطل ) لا بد من الراتب، اليوم خميس وغدا الجمعة، والسبت عطلة، والحمد لله تعمل المؤسسات الوزارات على صرف الرواتب بيوم واحد، ليس رغبة بالازدحام، ولا هروباً من العمل، إنما للألفة والحديث وبث الشكوى، وكل حزين للحزين قريب..
في الشعلان، ثمة ما يبهج القلب، ويسر العين و ويبعث المرارة والحسرة بالوقت نفسه، عالم آخر، ليس لنا، ولا لأحد من أبناء أبنائنا إلا إذا حدثت معجزة يوماً ما، وتبوأ ما يجعله ثرياً بلا حدود، ستقع عيناك على كل ما يمكن أن يتصوره المرء، التفاح الأخضر كالندى، العوجا، العنب، الرمان، وغير ذلك، بل لبن العصفور لو تطلبه تجده، ولكل شيء ثمنه، فجأة تقفز في الزحام، طفلة تائهة على ما يبدو أن أمها أرادت أن تتركها وتمضي، هذا ما دل عليه واقع الحال، لكن انتهى مشروعها بالخيبة …
وعلى مقربة من المكان، الفاكهة النازلة للتو من جنان الخلد، أسأل عن سعر التفاح الندي، فيأتي الجواب ( ألفا ليرة )، نعم الفا ليرة، هممت أن اشتري تفاحة واحدة، وراودتني فكرة أن ألتقط صورة له، لكني تذكرت أن الباعة هناك من عالم آخر، قد تودي بي الصورة إلى متاهات لا تحمد عقباها … بعيد خطوات ثمة أكداس من الكمأة التي تذوقتها مرة واحدة بحياتي، ولم تطب لي، ولا تغريني، لا من قريب، ولا من بعيد، لكن منظرها، أكداسها الجميلة تدفعك لأن تسال البائع عن السعر، مع العلم أن موسمها هذا العام وفير..استجمع قواي وأسال: كم السعر يا معلم ؟
ينظر إلي شزراً، لاشيء يوحي أني ممن يشترون، ولا أنا ممن يرتادون هذه الأماكن إلا عبوراً حين أكون منتظراً دوري عند فلافل الشعلان …يأتي الجواب: عشرة آلاف ليرة …أعيد التأكيد: كم ..؟ عشرة آلاف ليرة، تبدر ابتسامة من زميلي (علاء ) يتمتم، ونمضي، مازالت التمتة، ما بك ؟
هل تعرف أن راتبي يعني ثمن أقل من ثلاثة كيلوات من الكمأة ؟ّ لا، لا اعرف ولا يهمني أن اعرف، أن اعمل على مبدأ (على قد لحافك مد رجليك) لكن الغريب في الأمر أن الدولرة قصت لحافنا، وجعلتنا عراة حفاة، كل شيء انتاج البلد، كل شيء موجود موفور، والغريب، كيف تقفز الأسعار هكذا، البقدونس، الحشائش هل كانت تروى بالويسكي والشمبانيا، حتى لو كانت كذلك لم يحن وقت وصول استيراد الجديد منها على سعر الصرف الجديد… أما الصراف فهذا شأن آخر له حكايته يوماً ما.
ديب علي حسن
التاريخ: الجمعة 1-2-2019
الرقم: 16899