في صباح باكر وقفت تتأمل جموع الأطفال من وراء نافذة منزلها وهي ترتشف قهوتها بهدوء،تراهم وهم يحملون حقائبهم المدرسية ..في صباح شديد البرودة ، أرتال من التلاميذ يسيرون بخطى ثابتة إلى مدارسهم ،موظفون يحملون همومهم ومصاعبهم وعزيمتهم يسعون في سبيل لقمة العيش .. منظر يتكرر باستمرار ،وفي كل مرة يتمتعون بعزيمة أقوى عما قبلها إنها الأجيال المؤمنة بوطنها والمتمسكة بعلمها والمتشبثة بكل ذرة من ترابه ، فكم كابدت طوال سنوات عمرها وقد قضتها مابين عملها و تربية أبنائها، وصون بيتها وكرامتها ، عشرات الأعوام مضت من عمرها، كلها كفاح وتعب في سبيل أن يصل أبناؤها إلى بر الأمان الحلم والهدف.
وهاهي تقف على مقربة من نهاية مشوارها في الحياة وقد كحلت عيونها برؤية أحفادها الواحد تلو الآخر،وقد كانوا خاتمة لعام مضى يضاف إلى السنوات الراحلة من عمرها ،وهي على يقين أنهم سيسيرون على نفس وتيرة حياتها ولكن بتمعن وقوة أكبر وصبر أطول وأطول،وهم امتداد لأفكارها ومبادئها الأساسية التي تربت عليها وقد ارضعتها لأبنائها والآن لأحفادها لتكبر الدائرة ..دائرة المجتمع الحاضن لهم ،هذا ما فكرت وتفكر فيه وهي تنظر إلى حفيدها حديث العهد وهو ينهي الأشهر الثلاث من عمره التي تعتبر برأيها من أصعب مراحل الطفولة لأنها بداية ترتيب جسده الصغير والبداية من أمعائه التي هي سبب بعض آلامه) فلابد من البكاء الذي هو السلاح الوحيد لديه للتعبير عن ألمه ووجعه ،وهكذا تمر الأشهر بعدها بأريحية أكثر لتبدأ مرحلة الطعام والنظافة والحركة ومرحلة التعرف على من حوله من أشياء وأشخاص، فالأحفاد هم المجهر الذي نرى فيه أنفسنا من خلالهم بشكل دقيق أكثر وبوضوح أكبر .. فهي ترى من خلالهم تفاصيل حياتها التي لم تلمسها ولم ترها منذ بداية ولوجها إلى الحياة ،هم هي ولكن بصورة مصغرة ومفصلة أكثر ،ترى فيهم أبناؤها بصورة مكبرة وبشكل واضح وجميل ، بهذه الصورة ترى مستقبلها ومن خلالهم ترى القادم المجهول ،لتنسى من خلالهم ليس تعبها وكدها فقط،بل وتشكرهم لأنهم أعطوها الفرح والسعادة ،والأمل والمستقبل فهم نواة الأجيال القادمة من السوريين ..الأجيال كما تراها وهي تقف أمام نافذتها ترقبهم وهم يشقون طريقهم نحو بناء مستقبل متقدم ومتطور لبلدهم كما تحلم وتأمل طوال حياتها، بلد للشرفاء بعيدا عن الانتهازيين وسارقي الأحلام.
فاطمة حسين
التاريخ: الاثنين 4-2-2019
الرقم: 16901