ثورة أون لاين- علي نصر الله: لن نختلف مع أحد حول توصيف ما تشهده الدول العربية من أحداث مؤسفة أدت إلى ما أدت اليه من دم وفوضى وتمزق وانقسام، ولن نقول إن ما ينطبق على ذلك هو الربيع أو الخريف أو الصقيع العربي، رغم يقيننا أنه صقيع غير مسبوق،
غير أننا بما نمتلك من الأدلة القاطعة على مذهبنا في تأكيد توصيف الحالة؛ نرغب من الآخر الذي يقف على الضفة الأخرى أن يصل بالتحليل.. بالاستنتاج… بالاستدلال إلى القناعة التي يستطيع من خلالها أن يدافع عن وجهة نظره ورؤيته.
وبالتأكيد.. وكي لا ننسى.. نحن ندرك تماما أننا نعيش أياما صعبة ومعقدة باتت فيها الخيانة الوطنية وجهة نظر، ومع ذلك فما زلنا نراهن على يقظة ضمير وصحوة أخلاق، لعل وعسى، وإلا فما من أمل؛ وما من مبرر لكل ما نشتغل عليه.
حقوق الإنسان والديمقراطية هما العنوان الأبرز لكل ما يجري ويحدث، وهما كما نزعم «الكذبة الكبرى»، فيما تزعم أميركا والغرب والأعراب أنهما «أي الديمقراطية وحقوق الإنسان» الهدف وعين الحقيقة، وكي يميز العاقل الخيط الأبيض من الخيط الأسود نسوق بعض الحقائق وليس كلها اذ لا يتسع المجال ولا المقال.
أولاً.. انظروا إلى مساحات الديمقراطية وحقوق الإنسان في بلاد نجد والحجاز «السعودية»، وفي امارات النفط والغاز في الخليج؛ وستقعون على كبد الحقيقة؛ وعلى حقيقة وواقع وأصل كل ما يجري ويحدث، فاذا كان هناك من ربيع ينبغي أن يزهر، فانما ينبغي أن يزهر هناك في خليج الاستبداد والعهر؛ وينبغي أن يبدأ من هناك وليس من أي مكان في هذا العالم اذ لا يوجد في عالم اليوم دولة أو امارة أو قرية تكنى باسم حكامها إلا سعودية القهر والعهر التي سعودت الشعب قسرا ؟!.
ثانياً.. انظروا بما يقوله لي شتراوس المنظر والملهم لأيديولوجيا المحافظين الجدد في موضوعة الديمقراطية لتكتشفوا عهر ودجل وكذب أميركا الشرطي والحارس الساهر المزعوم على الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولن نورد الوقائع والممارسات الأميركية؛ والإسرائيلية المدعومة والمتبناة أميركيا لأننا نبحث الآن في الفكر، ونحاول أن ندحض بالفكر، ولأننا كثيراً ما تحدثنا بالوقائع حتى اتهمنا البعض –ولاسيما الأعراب– بأننا نستخدم لغة خشبية وراحوا إلى تشكيل محاور تحت يافطات ما أنزل بها من سلطان «محور الاعتدال العربي» و «محور النعاج» و«صانعو السلام» وما أدراك من اعتلال ونعاج وبغال تحمل وما تدري ما تحمل؟!.
الفيلسوف الأميركي اليهودي من أصل ألماني شتراوس المنظر والملهم لأيديولوجيا المحافظين الجدد يشير في كتابه «الطغيان» إلى «حق القوي في الحكم» –فانظروا إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان المعتملة في هذه الاشارة؟!.
شتراوس هذا يقول أيضا إنه يؤيد الفلاسفة القدامى بأن: ”هناك حق طبيعي واحد هو حق النخبة في حكم العوام؛ وحق الزوج في حكم الزوجة؛ وحق القلة الحكيمة في حكم الأغلبية» فانظروا في الأبعاد الديمقراطية التي تؤمن بها وتدافع عنها أميركا والغرب الملتحق بها كذيل قذر لها، وانظروا في حقوق الإنسان التي يريد المحافظون الجدد تحقيقها في بلداننا العربية غير الخليجية؛ وغير الخليجية حصرا ربما لأن امارات النفط والغاز تحققها وتحفظها وهي أنموذج يحتذى؛ أو ربما لأن بين هذه الامارات وبين فهم هذا العنوان ألف عام ينتظر الأميركيون مضيها ليشتغلوا عليها هناك؛ أو ربما بسبب من مصالح تخشى أميركا عليها اذا تحرر الخليج من استبداد آل سعود وآل خليفة وآل ثاني وآل….؟!.
شتراوس هذا لا يكتفي بهذا القدر من الأحادية والعنصرية والذكورية والاستبداد، فيضيف ويعبر عن رؤيته بضرورة الابقاء على سرية «تعاليم الطغيان» لسببين مركزيين أساسيين؛ الأول: للحفاظ على مشاعر الناس، والشهادة لله أنه احتفظ في ذلك بشيء من انسانيته اذ يرفض ايذاء الناس في أعماقهم لكنه يجيز خداعهم واستبدادهم!.
والسبب الثاني الذي يدعو للابقاء على سرية «تعاليم الطغيان» هو حماية النخبة من أي تمرد شعبي ضد الطغاة، فهل بقي شك لدى أحد في أن المحافظين الجدد وأميركا والغرب عموما هم حماة الديمقراطية الحصريون!! وهم المدافعون عنها وعن حقوق الإنسان!! وهم الذين يتحملون ما يتحملون من أجل تحقيق وصيانة الديمقراطية وحقوق الإنسان في بلادنا العربية؟!.
لكل المثقفين المعتوهين من أمثال عزمي بشارة، ولكل «الثورجية» العرب الحاليين، ولكل المنظرين الأفاقين في الغرب والشرق نقول : لن تمروا.. نحن في سورية نعرفكم وأنتم تعرفون أننا نعرفكم.. نحن نعرف خريطة طريقكم وأنتم تعرفون أننا نعرفها.. نحن نعرف كيف ومتى نغير مساراتها وخطوطها وأنتم تعرفون أن ما من أحد سوانا سيطويها.. نحن نعرف أهدافكم المسبقة؛ وسنحبطها؛ وأنتم تعرفون وتدركون أهميتها لكم ولاسرائيل.. نحن نعرف أنكم ستحاولون مجددا وأنتم تعرفون ومقتنعون أنها تستحق المحاولة بعد الأخرى.. لن نمل أو نكل : سنحبطها وسنردكم على أعقابكم وسنقتلع أدواتكم اسرائيل والأعراب.. وسنبقى؛ فنحن صناع الحضارة والتاريخ… وامبراطوريتكم وطغيانكم حالة طارئة.