تصوغ الأرقام المتداولة الآن، عن كميات الأمطار وغزارة الينابيع والأنهار في كل المحافظات السورية، صورة مبهجة لطالما تقنا إليها، تفرح النفوس وتنعشها، ولا سيما أننا عشنا في الأعوام القليلة الماضية جفافاً بلغ ذروته في العام الماضي، ما أساء لزراعتنا وجعل تقنين مياه الشرب حاداً، في كثير من مدننا وقرانا.
لكن الصورة هذه السنة مختلفة: ثمة عدة سدود امتلأت بحيراتها؛ سد الباسل على نهري العروس والأبرش في طرطوس -على سبيل المثال – سد تلدو في حُمُّص، سدود درعا (من ٩ملايين م٣ في العام الفائت إلى ٢٩ مليوناً في نفس الفترة) واللافت التدفق الكبير لنهري الخابور والجغجغ في محافظة الحسكة وامتلاء سد الباسل جنوب الحسكة بـ (٤٧٢ مليون م٣) ما يعد بامتلائه بالطاقة القصوى ٦٠٥ ملايين م٣ حتى نهاية موسم الأمطار في-١٥-أيار القادم، لأول مرة منذ إنجازه واستثماره.
تميزت سورية بمشاريع ري كبرى قبل الحرب الغاشمة عليها، إذ بنت ١٦٣ سداً تدخر ١٨،٢ مليار م٣ من المياه وعلى الرغم من هذا الامتياز النادر على صعيد الدول النامية فإن وقوعها في إقليم جاف جداً، جعلها تعاني من صعوبات في الري ومياه الشرب في السنوات الشحيحة بالأمطار، فالمساحات المروية كانت أقل من الطموح -قبل الحرب طبعاً- علماً أن الزراعة المروية هي وحدها ذات مردود موثوق، وما فاقم التأثير السلبي للجفاف، الزيادة السكانية الكبيرة التي تطلبت تكثيفاً زراعياً، ومعلوم أن الزراعة هي المستهلك الأكبر للمياه.
وبالعودة إلى سنوات مماثلة نشير إلى أن غدق الماء يكبح سعينا إلى مشاريع كثيرة لمواجهة الجفاف وآثاره المتنامية بسبب الزيادة السكانية، إذ تفتر الهمة وتغيب العوامل الضاغطة ونشعر بالارتياح فنغض النظر، وهذا خطأ كبير.
إن ابتهاجنا بهذا المطر الوفير يجب ألا ينسينا أننا بلد جاف وأن سنة واحدة لا تكفي، فعلى سبيل المثال نحتاج إلى أربع سنوات متتالية مثل هذه السنة لنستعيد بحيرة العتيبة. إن فرحنا بهذه السنة الرطبة يجب أن يؤجج سعينا إلى مزيد من السدود وشبكات الري الحديث ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي للحصول على ماء صالح للري، وهذا أضعف الإيمان، فثمة على هذا الدرب احتياجات كثيرة في مقدمتها سياسة سكانية رشيدة.
ميشيل خياط
التاريخ: الخميس 14-2-2019
رقم العدد : 16909