افتتح معرض الفنان عزام شعراني، في ثقافي أبي رمانة تحت عنوان «لوحة ثلاثية الأبعاد» متضمناً 35 لوحة مائية، أنجزها خلال عام 2018 وركز فيها لالتقاط الحركة الحية النابضة في الشوارع والساحات والحارات والبيوت والأسواق الشعبية والزوايا الأليفة في الأمكنة القديمة، لأنه ينتمي إليها بكل مشاعره وعواطفه, وأحاسيسه وخطوطه وألوانه, حيث يستعيد وبشكل دائم أجواء الشوارع والساحات وحركة الناس والسيارات والدراجات, كل ذلك بلمسات عفوية شاعرية وشفافة، وبصياغة واقعية، يعرف فيها كيف يوازن ويختصر ويغري العين, ويحقق عناصر الدهشة والإقناع.
بين السلمية ودمشق
هكذا يستعيد مشاهد حميمية لأمكنة قديمة بألوانها وذاكرتها وأحلامها، ويكشف تفاصيل الحياة فيها ومناخاتها، في خطوات تنقله بين المشاهد الملتقطة من مدينة السلمية مرتع طفولته, وبين المشاهد القادمة من تأملاته في مدينة دمشق، إضافة لعرض لوحة تجسد نهر الخوابي بطريقته الاسلوبية الخاصة, وتلك الأمكنة تعطيه الكثير من الطاقة، وتحرّضه على الإبداع، وعلى استعادة نبض الحياة المنسية، وهذا نوع من الوفاء لأمكنة قاسمته الأمل والجمال والحب والحلم بالعودة إلى تلك الحارات والبيوت العابقة بالياسمين والأضاليا والمنتور, من الداخل والخارج معاَ.
وعلى الصعيد التقني قدم لوحات مائية، تؤكد قدرته ومهارته في الرسم الواقعي، حيث يركز لإظهار تفاصيل العناصر، وخصوصيات بحثه الخطي واللوني، وهو يضفي على لوحاته مزيداً من الشاعرية البصرية والأحاسيس الشفافة، مع تركيزه لاستخدام اللمسات العفوية, والتبقيع اللوني الذي تتطلبه اللوحة المائية الحديثة، وذلك لإخراجها من منزلقات الوقوع في هاوية الصياغة التسجيلية الباردة، المتواجدة بكثرة في المعارض الاستهلاكية، والتي يعمل دائماً على تجنبها.
قوة الرسم
ويشكل المعرض مناسبة للتعرف على مهارة فنية مفرطة في داخليتها وحسيتها، من خلال إدخاله تأليفات لونية وخطية متمكنة من ابتكار مشاهد حميمية، بقدرة تقنية عالية، وبخطوط مرنة وقوية, تعمل على إيجاد صياغة تشكيلية حديثة، رغم كل الأداء الواقعي المدروس والمنظم، وكل ذلك بهدف الوصول لغايات ومقاصد فنية خاصة بالفنان نفسه.
يذهب في أحيان كثيرة إلى جعل المساحات اللونية المعتمة تتداخل مع مساحات لونية مضاءة, وبذلك تتدرج الحالة اللونية, من تلك القاتمة, إلى أخرى تغلب عليها الألوان الساطعة والمشرقة والمليئة بالأضواء المحلية، كل ذلك في تشكيل رموز العمارة القديمة وألوانها وذاكرتها وأحلامها، حيث يكشف بألوانه تفاصيل الحياة ومناخاتها، في الأمكنة القديمة، ويروي بأشكاله حكايات شرقية مفتوحة على الخيال وذاكرة العين ومخزونها البصري المترسخ منذ أيام الطفولة.
وحين يتمسك الفنان بجمالية العمارة القديمة وأسواقها الشعبية وحركة الباعة والناس فيها, فهو يساهم في لفت الأنظار إلى مخاطر تعرضها للغياب والاندثار، فأعماله المستوحاة من علاقته المباشرة وغير المباشرة مع البقية الباقية من جمالية المدن القديمة, أراد من خلالها توجيه تحية إلى الجمالية الهندسية المترسخة في مشاهدات القناطر والأقواس والجدران القديمة المتناوبة الألوان. فهو يبحث عن مناخات جديدة للوحة المشهد المعماري، حيث يصوغه بقالب تشكيلي حديث يزاوج ما بين إشارات الواقع (المستمد من انطباعات الذاكرة أو من الجلسة المباشرة) وتكاوين المنطلقات التعبيرية في أبجديتها الغنائية (كلمسات لونية عفوية) والهندسية (في تكاوين الأقواس والقباب والأعمدة، التي تشكل ملامح وهندسة البنى المعمارية المحلية).
facebook.com adib.makhzoum
أديب مخزوم
التاريخ: الجمعة 22-2-2019
الرقم: 16916