ثورة أون لاين – العميد الدكتور أمين محمد حطيط: وصلت الازمة في سورية وحولها الى المستوى الذي باتت الشبهة والظن ملجأ الخاسرين في الوقت الذي باتت الطمأنينة واليقين رداء الذين ثبتوا في المواجهة وقدموا التضحيات وتحملوا الكلفة الباهظة من اجل منع المعتدين على سورية
(الدولة والكيان والموقع) من تحقيق اهداف عدوانهم. ومن اجل ذلك انقسم الجمع في هذه المرحلة الى فئتين:
-فئة تتمسك بالدمار والخسائر المتعددة الاشكال ووتنحوباللائمة على من تسبب بها، وبسوء ظن وخبث طوية تحمل المدافع (اي الدولة السورية بكل مؤسساتها خاصة السياسية والامنية والعسكرية) مسؤولية ما حصل، وكانها كانت تريد من الدولة السورية ان تستسلم للعدوان وتسلم امرها للاميركيين والصهاينة حتى يستعبد البشر من اجل ان ينجوالحجر، وطبعا هذا سلوك لا يخدع به الا البسطاء ولا يروج له الا الخبثاء الذين كانوا بعلم اومن غير علم، ومباشرة اوبشكل غير مباشر، كانوا ولا زالوا في صف العدوان ملتزمين اهدافه عاملين على ترويجها.
– وفئة معاكسة تنظر بوعي وفكر مدقق قائم على قواعد العلم العسكري والاستراتيجي وتميز بين نتائج الحرب في المشهد والمواقع التي آل اليها الصراع والمواجهة من جهة وبين الكلفة والخسائر التي فرضت على سورية من جهة اخرى وترى وبشكل موضوعي ان العدوان لم يحقق هدفه الاستراتيجي الرئيسي في وضع اليد على سورية واستتباعها وشطبها من المعادلة الاقليمية، وهوالهدف الرئيسي الذي لم ينطلق العدوان الا من اجله، لذلك انقلب المعتدي بعد الاخفاق الى الانتقام ومارس حقده وخبثه ضد سورية فقتل ودمر وهجر وسرق المصانع وعطل الانتاج و.. و.. لكنه لم يستطع ان ينال من الدولة السورية كما هومفهوم الدولة ولم يكسر ارادتها. حيث استمرت الدولة بمؤسساتها ومرافقها تعمل تحت اقسى الظروف وتعمر وترمم المرفق المعطل المرة تلوالمرة ولا تقع في يأس الخائبين… نعم استمرت المؤسسات السيادية والسياسية والقضائية والعسكرية والتربوية والصحية في الدولة عاملة لا يثنيها ولا يمنعها عن المتابعة في العمل ارهاب اوترهيب اوتخويف اوعقوبات اوحصار، كما استمرت الدولة السورية ثابتة على مواقفها السياسية رافضة الاستجابة لاي من اوامر المعتدي وتمنياته وتمنع المس مطلقا بعناصر السيادة والقرار الحر والدولة المستقلة.
هذا هوالمشهد الحقيقي في سورية الان حيث بات السير والبحث عن مخرج سياسي من الازمة حقيقة واقعة لا ينكرها الا جاهل اومتطفل او مأجور مكلف بعرقلة الخروج من اتون النار. وهنالا بد من التذكير ان الحروب عندما ينتصر فيها من ينتصر لا يطالب بما انفق من ذخيرة ولا بما تسببت به مواجهته من دمار، ويحضرني هنا قول تشرشل بعد الحرب العالمية الثانية عندما وقف في مجلس العموم البريطاني وقال له احد اعضائه «على ماذا نحتفل بالنصر وكل شيء في المملكة المتحدة مدمر»؟ فاجابه تشرشل «هل ارادتنا بخير؟ وهل قضاؤنا بخير؟ فاجاب نعم: عندها قال تشرشل اذن انتصرنا والمملكة بخير «… نعم ان الحروب ليست نزهة في حدائق الورود، بل انها ودون شك طريق تعبر عبر الركام لتنتهي الى فرض ارادة على اخرى ومن يكسر ارادة الاخر ينتصر ولا يلتفت الى حجم الخسائر التي تكبدها ثمنا لهذا الانتصار، ومن تكسر ارادته ينكسر وهذا هوحال من اعتدى على سورية وشن عليها الحرب الكونية.
اذ ان عدنا الى مشهد المنضوين تحت لواء العدوان على سورية نجد كيف انهم اليوم متصدعون مشتتون يتخبطون في دوائر اليأس والاحباط، «كبيرهم» يبحث عن مخرج يحفظ به ماء وجهه و«صغيرهم» اوالاداة في المشروع تبحث عن سبل للفرار من الميدان حاملة ما خف حمله وغلا ثمنه، اوتتجه الى الانتحار بدافع اليأس والاحباط وهنا نسجل ما حصل في الايام الاخيرة من تحول وتبدل واتخاذ مواقف انفعالية ليس من تفسير لها الا انها تشهد على هزيمة العدوان.
ونبدأ مع اميركا التي كانت ترى ان الطريق لتحقيق اهدافها لا يكون الا بالعمل العسكري المتعدد الاشكال ولذا رفضت ابتداء الدعوة الى الحوار والقاء السلاح كما وجهتها الدولة السورية واصرت على القتال والمواجهة الميدانية بالطرق الارهابية والاجرامية وحشدت 120 دولة من اجل الضغط على سورية.. و.. وكانت ترفض مطلقا التعليق على العمليات الارهابية التي تنفذ في الاحياء السورية الاهلة وتحصد الابرياء…. اما الان فكل ذلك تراجع حتى انها صنفت من يمثل 4-5 المسلحين في سورية بانهم تنظيم ارهابي (جبهة النصر)، وصحيح انها لم تسمح ببيان رئاسي من مجلس الامن لادانة العملية الارهابية الوحشية التي نفذت في دمشق في الاسبوع الفائت، الا انها ادانت االعملية بذاتها ونحن نعلم ان استدارة القوى الكبرى لا تكون خاطفة خفيفة كما يغير راكب الدراجة اتجاهه بل انها تجري بهدوء وبانعطاف بطيء كما ينعطف القطار.. وهذا ما تجريه اميركا اليوم.ولن يغير في الفهم ما بيروج من حديث عن ضغوط تمارس لتسليح المعارضة.
اما أوروبا وخاصة بريطانيا وفرنسا والمانيا فانها خفضت سقفها، ومنها من بات يتحدث عن الشأن السوري كما يتحدث المدافعون عن سورية وفي سورية انفسهم وبعد ان ادانت هذه الدول العملية الارهابية الاخيرة في دمشق ورفض الاتحاد الاروبي رفع الحظر عن السلاح الى سورية واتجهت دول للتشدد في التعامل مع المعارضة التي كانت ترعاها، وظهر واضحا ان اروبا لم تعد مقتنعة بامكانية تحقيق الهدف الاستراتيجي في سورية وانها لا تثق بقدرة الادوات السورية المتناحرة المشتتة ولاتثق بها للوصول الى تلك الاهداف، لذا اعتمدت اروبا وبمحاكاة مع اميركا خطة التراجع المبرمج الذي يعفيها من تحمل نتائج خسارة العدوان وينصلها من دعم الارهاب.
اما دول تصدير الارهابيين فإن شأنها وسلوكها تغير ايضاً الى الحد الذي باتت تتخذ فيه القرارات القضائية لملاحقة من يجند الارهابيين ويرسلهم الى سورية (كما حدث في تونس من اسبوعين حيث تمت ملاحقة 16 مكتب تجنيد) كما وافسح المجال لاصدار الفتاوى المعاكسة لدعم الارهاب حيث يؤكد في الفتاوى الجديدة على «ان سورية ليست ارض جهاد» و«ان القتيل فيها ليس شهيدا» (كما افتي في كل من تونس ومصر والسعودية والكويت مؤخراً).
ويبقى من تحتفظ به اميركا حارسا لانسحابها وتراجعها ومستعملا كورقة ضغط تفاوضي في ما يخطط من تنظيمه وادارته من عمل سياسي كما هوحال قطر ومن هووفي وظيفتها فان هؤلاء يستعملون ولا يسمح لهم بتغيير السلوك الا بعد انتهاء العملية السيسية، ويندرج في هذا العنوان «دمية الدوحة» المسماة «الائتلاف السوري المعارض» والتي صنعتها اميركا لتكون «الممثل الوحيد للشعب السوري» التي تتولى السلطة اذا انتصر العدوان، هذه الدمية الي ظن البعض انها «ثارت على اسيادها الغربيين بعد ان مدها القطري» الرافض للحل السلمي «بمئة مليون دولار، فتراجعت عما اسمته مبادرة سلمية ورفضت الحوار مع روسيا اوالذهاب الى اميركا اوالمشاركة في مؤتمر ما يسمى «أصدقاء سورية» (وهو كما حقيقته مؤتمر اعداء الشعب السوري)، هذه الدمية تقوم بالحركات البلهوانية لا تنطلي على عاقل ولا تخدع مراقب يعرف المسار العام، وهي لا تعدوكونها تعزيز للموقف التفاوضي لاميركا الذي خطط له على مرحلتين: اولى على صعيد وزراء الخارجية ستجري يوم غد وثانية على صعيد الرؤساء تتم في الشهر المقبل، حيث ينطلق بعدها العمل التفاوضي الجدي بحثا عن حل حقيقي.
اما الآخرون من الذين لن يكون لهم محل على طاولة التفاوض الدولي المنتج للبيئة الملائمة للحل نظرا لصغرهم وهامشيتهم الدولية، اوممن لن يكون لهم محل على طاولة الحوار الوطني السوري نظرا لكونهم غرباء غير سوريين، هؤلاء هم البائسون المحبطون الذين سيبحثون عن مخرج من الميدان السوري ويتلمسون طريقا تقودهم الى الانتحار كما حصل في متفجرة دمشق الاخيرة اوالى الفرار كما بدأ يحصل باتجاه لبنان حيث انتقل اليه المئات من ارهابيي جبهة النصرة، اوالاستفادة من الوقت المتبقي للعمل بالارتزاق والاجرة عند هذا الفريق اوذاك مقابل الجعالة والمال كما يحصل في الشمال الشرقي من لبنان خدمة لجماعة الحريري الفاشلة في الوصول الى قانون انتخاب يناسبها.
وفي المقابل تبقى سورية التي تكبدت الخسائر الفادحة في معركتها الدفاعية عصية على السقوط والانهيار، ويبقى الانهيار من نصيب المعتدين والطامعين وادواتهم وعملائهم ومرتزقتهم، اما ما دمر فيمكن تعميره ومن هجر يمكن اعادته الى ارضه، والمهم ان ارادة البقاء وارادة التمسك بالحقوق واحتلال الموقع الملائم للكرامة الوطنية السورية هذه الارادة لم تنسكر ولم تتعرض لانهيار.
* أستاذ جامعي وباحث استراتيجي