يغص المشهد في المنطقة بالتحولات الميدانية التي يمكن أن تكون جارفة بتوقيتها وشدتها وتأثيرها، فيما يمكن اعتباره جزءاً من ارتدادات الزلزال الذي اجتاح أوهام وطموحات محور الإرهاب وبقية ملحقاته ممن باتوا يقارعون طواحين الهواء بعد أن تبددت وانهارت أذرعهم الارهابية في سورية واقتربت لحظة إعلان انتصار سورية وحلفائها في الميدان.
فخلف هذا الجدار العازل من الأقنعة والمحاولات المتبادلة من مختلف أطراف الإرهاب لطمأنة بعضهم البعض والإيحاء لما تبقى من مرتزقتهم في الشمال والشمال الغربي من سورية أنهم لا يزالون قيد الخدمة والتشغيل وأنهم يمكن أن يؤثروا مجدداً في المشهد الميداني والسياسي العام.. يمكن فهم وتفسير التصعيد الإرهابي الممنهج الذي تقوم به بعض هذه الأطراف ، وخاصة الأميركي والتركي بالإضافة للتابع الفرنسي الذي يطل برأسه بين الحين والآخر للتذكير بوجوده، وكذلك الجزء الخلفي من معسكر الحرب على سورية ونقصد هنا أنظمة بعض الخليج، كما يمكن أيضاً فهم حقيقة المناوشات الأميركية والتركية المتجددة بين الفينة والأخرى حول القضايا والملفات العالقة في الشمال السوري، وصولا إلى فهم الأسباب الرئيسة للتراجع الأميركي عن قرار الانسحاب من الجغرافيا السورية وإعادة النظر فيه.
التصعيد الإرهابي الممنهج من قبل النظام التركي والولايات المتحدة بنفس الأدوات الارهابية في أرياف الشمال وكذلك الحديث عن (مناطق آمنة) يتم التحضير لها بين الولايات المتحدة والنظام التركي، هو جزء من تلك الحالة اللامتناهية من البحث عن تعويض مناسب للهزيمة التي لحقت بمحور الحرب من أجل حفظ ماء وجه هذا المحور ولو بالحدود الدنيا، وهذا ينسحب أيضاً على المواقف والتصريحات القادمة من بعض دول الاتحاد الأوروبي الرافضة أو المستاءة من قرار الانسحاب الأميركي والداعمة لبقاء قوات أجنبية على الأرض السورية، ومن هنا فإن التصعيد الحاصل على الأرض هو جزء من محاولات تلك الأطراف للعبث بالواقع وتعديل بعض معادلاته وإقحامه ببعض القواعد اللقيطة على الأرض واللعب على عامل الزمن أملا في التعويض، وريثما يتم الاتفاق النهائي على تلك المشاريع الاحتلالية والاستعمارية التي من شأنها أن تهدد وحدة وسيادة الشعب السوري.
مقارعة طواحين الوهم جسّدها النظام التركي بتصريحاته المتواترة عن حلم ما يسمى «المنطقة الآمنة» حيث جدد رئيس هذا النظام مزاعمه التي تقول «بأحقية» أنقرة بتولي مسؤولية الإشراف عليها معللا ذلك بضرورات ما يسمى الأمن القومي التركي، متوعدا بنهج مختلف إذا أصبح الانسحاب الأميركي من سورية أسلوباً للمماطلة، في حين ادعى وزير خارجته مولود جاويش أوغلو ان هناك حاجة لفهم مشترك بين تركيا وأميركا حول هذه المنطقة المزعومة وغيرها من الملفات.
وبشأن قرار الانسحاب الأميركي من سورية فقد كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية نقلا عن مسؤول في وزارة الحرب قوله إن جزءا من القوات الأمريكية المحتلة ستبقى في مدينة منبج الواقعة في ريف حلب الشمالي، حيث سيواصل الجنود القيام بدوريات مشتركة مع نظرائهم في الجيش التركي.
إلى ذلك أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أرسل إلى الكونغرس الإستراتيجية السرية لعمل إدارته بشأن الوضع في سورية، غير أن اللافت في الأمر أنه تم توفير مخصصات إعداد هذه الوثيقة من قبل ميزانية الحرب الأمريكية، ما يعني أن هذه الإستراتيجية تتضمن جانبا عسكريا بالتأكيد.
وعلى هذا الأساس يبدو التصعيد الإرهابي الممنهج على الأرض من قبل الإرهابيين مرتزقة أردوغان وواشنطن في أرياف حماة وإدلب واللاذقية خلال الأيام القليلة الماضية جزءاً من حالة التخبط والهستيريا التي تعتري منظومة الإرهاب برمتها أو امتداد لها، حيث كانت وحدات الجيش العربي السوري العاملة في ريف حماة الشمالي بالمرصاد وتصدت لهجوم مجموعات إرهابية بأعداد كبيرة على النقاط العسكرية على امتداد محور المصاصنة وذلك في خرق جديد لاتفاق منطقة خفض التصعيد في إدلب، كما نفذت وحدات الجيش سلسلة ضربات مدفعية وصاروخية على مقار المجموعات الإرهابية في الحمرا وباب الطاقة وقلعة المضيق والتوينة بريف حماة الشمالي وكبدتها خسائر بالأفراد والعتاد، كما تصدت وحدات من الجيش العربي السوري لهجوم مجموعة إرهابية على نقاط عسكرية في جبل القلعة بريف اللاذقية الشمالي ما أسفر عن تكبيد الإرهابيين خسائر كبيرة بالأفراد والعتاد.
وفي وقت سابق ردت وحدات من الجيش العربي السوري على خروقات المجموعات الإرهابية وانتهاكاتها لاتفاق منطقة خفض التصعيد بعمليات مركزة أسفرت عن تدمير عدد من الأوكار ومقتل وإصابة من فيها من إرهابيين، كما وجهت ضربات مكثفة على تحركات لمجموعات إرهابية على أطراف بلدتي حصرايا وكفر زيتا ما أسفر عن مقتل وإصابة عدد من أفرادها، كما نفذت وحدات أخرى من الجيش العربي السوري ضربات بالمدفعية على محاور تسلل مجموعات إرهابية من بلدة اللطامنة شمال مدينة حماة بنحو 35 كم باتجاه المناطق الآمنة والنقاط العسكرية المنتشرة بالريف الشمالي.
حالة التصعيد الإرهابي المستمرة على أطراف المشهد العام تنبئ بتحولات كبرى على مستوى القرارات والخيارات، بمعنى أن ما كان ممكناً في الأشهر الماضية على مستوى الفرص التي قدمت لأردوغان لتنفيذ التزاماته في سوتشي قد لا يكون متاحاً في الأيام القادمة، حيث تتجه الأمور سريعاً إلى لحظة الحسم العسكري التي تم تأجيلها كثيراً ولكن على توقيت دمشق التي أعطت للديبلوماسية حقها ووقتها، وعلى أطراف الإرهاب وخاصة التركي ومرتزقته أن يتحملوا نتائج سلوكهم العدواني على الأرض ودفع أثمان تضييعهم للفرص المتلاحقة التي أعطيت لهم لتنفيذ اتفاق سوتشي وإعادة محافظة إدلب إلى حضن الدولة السورية دون معركة دامية وقاسية.
فؤاد الوادي
التاريخ: الثلاثاء 5-3-2019
الرقم: 16924