يبدو أن فرنسا لن توقف تبعيتها لأميركا، ومستمرة بالانصياع لإرادة البيت الأبيض الذي يدفع بأوروبا نحو الهاوية، ويزيد من عجز القارة العجوز التي تفقد كيانها ووجودها، ومكانتها كقوة اقتصادية وجيوسياسية في العالم، وإلا ماذا ستفعله حاملة الطائرات الفرنسية «شارل ديغول» التي انطلقت من ميناء تولون إلى سورية بحجة تنفيذ مهام قتالية ضد «داعش»؟ وإلى متى سيبقى التنظيم الإرهابي شماعة يعلق الغرب عليها أطماعه في المنطقة؟!
فالغرب وعلى رأسه أميركا، لو أراد محاربة الإرهاب فعلاً، لكانت أول خطوة قام بها هي التنسيق مع سورية، لأن التكفيريين موجودون على أراضيها، وليس هناك من يمتلك الخبرة أكثر منها في ملاحقتهم، وهي أدرى بشعابها، كما تمتلك بنك معلومات كبير يسهل محاربتهم والقضاء عليهم، لكن التدخل الأوروبي الأميركي لحمايتهم ودعمهم، كان حائلاً دائماً بين المعارك وسرعة الإنجاز، وكانت تمثيلية ما يسمى بالتحالف الدولي، كذبة كبيرة اختلقها أصحابه وصدقوها، في الوقت الذي لم تنطل أكاذيبهم تلك على أحد، ما دفع بحلفاء سورية لاتخاذ خط مختلف لمحاربة الإرهاب والقضاء على مرتزقته، وهم اليوم مستمرون في ذلك حتى إنهاء وجوده وإسقاط خرافته.
اليوم فرنسا تعود إلى المنطقة من بوابة محاربة «داعش»، وذلك بالتنسيق مع إدارة دونالد ترامب التي أعلنت انسحاب قواتها من الجزيرة السورية ولم تنفذه حتى الآن، وفي الوقت الذي يطحن المرتزقة بعضهم على اختلاف تسمياتهم وانتماءاتهم وتشكيلاتهم، ما يعني أن منبع الإرهاب واحد، ورعاته هم أنفسهم الذين ادّعوا القدوم إلى سورية لمحاربته، بينما الغاية واضحة وهي حمايته واحتضانه عن قرب، لظنهم أنه سيحقق لهم غاياتهم بإسقاط الدولة التي صمدت نحو ثماني سنوات أمام أعتى القوى، ومستعدة للصمود أضعاف تلك السنوات، وسوف تدحر التكفيريين مهما كلفها ذلك من ثمن.
أوروبا بدولها العظمى والكبيرة فقدت هيبتها وكيانها، نتيجة إصرارها على ركوب الموجة الأميركية، وفرنسا لن تقدر على تحقيق ما عجزت عنه الولايات المتحدة، وما طلب الأخيرة منها للحلول مكانها، إلا لإضعافها وجعلها أمام فوهة المدفع مباشرة، وعلى مواجهة تامة في المعارك التي تدور لاقتلاع الإرهاب، وكان من الأجدى لها أن تحل مشكلاتها الداخلية، بدل التدخل في شؤون الدول الأخرى التي تأمل من خلاله العودة لعهود الاستعمار الذي سيكون بعيداً عنها، وسوف يزيد من عجزها حتى لو امتلكت الإمكانات الكبيرة.
حدث وتعليق
حسين صقر
huss.202@hotmail.com
التاريخ: الخميس 7-3-2019
رقم العدد : 16926