جميعنا يملك ألبومات صور ومن منّا لم يعد ولو مرة واحدة سنوياً إلى تلك الألبومات واستغرق بين دفتيها و جنباتها الساعات لكل صورة حكاية هذه في السهل وتلك في الجبل واخرى في الربيع والخريف وفي الجامعة مع الزملاء وتلك في حفل التخرج وهذه في يوم الزفاف وتلك مع أولادي في يوم عيد…إلخ
تحملك هذه الصور الى الماضي البعيد البعيد , الى شبابك الضائع الى لحظات السعادة المسروقة وتستمر في الغوص الى قاع ذاكرتك وكأن هذه الصور طبيب نفسي معالج .
أما اليوم ومع أن التقاط الصورة أصبح أسهل ولكن لم يعد لتلك الصورة طعمها ولونها كما في الماضي، في اليوم الواحد في الساعة الواحدة نلتقط عشرات الصور لتذهب الى ملفات رقمية في قاع الموبايل ومن النادر أن تعيد استعراضها وحتى لو فعلنا لا تثير فينا تلك الأشجان التي تثيرها صور أيام زمان، وتفاجأ عندما تريد أن تلتقط صورة أخرى بأن ذاكرة موبايلك ممتلئة وعليك تفريغ ما أمكن، كالسفينة التي على وشك الغرق ونبدأ في حذف تلك الصور دون أن نلوي على شيء ودون أن نشعر بكبير أسى على تلك الصور …
ماذا فعلت بنا تلك الثورة الرقمية، جعلت حياتنا أسهل – لا شك – ولكنها قتلت مشاعرنا وأحاسيس تاريخنا وذكرياتنا، لم نعد ننظر إلى الأشياء بحميمية الماضي البعيد.
إنها سلاح ذو حدين – يحميك و يذبحك – في نفس الوقت دون أن تدري انه يذبح تاريخك وأرشيفك…
ولكن لا مفر فالعودة إلى الوراء أصبحت مستحيلة، لذلك سوف تظل الثورة الرقمية تجرفنا في تياراتها وأمواجها اللامتناهية بعيدا عن شاطئ احلامنا وذكرياتنا .
لقد أصبحنا رقماً وملفاً على سطح مكتب كمبيوتر , وفي ذاكرة موبايل .
عين المجتمع
ياسر حمزة
التاريخ: الخميس 7-3-2019
رقم العدد : 16926