رغم ادعائها الإنسانية والدفاع عن حقوق الإنسان والتلويح بهذين الشعارين بشكل دائم لتبرير تدخلاتها وسلوكياتها العقابية والعدوانية بحق الدول والشعوب الأخرى، لا تزال الولايات المتحدة الأميركية التي تحتفظ بوجود عسكري احتلالي غير شرعي على الأراضي السورية، تحكم قبضتها الأمنية والعسكرية والسياسية على مخيم الركبان للنازحين السوريين، مانعة السلطات السورية والروسية من إنهاء المعاناة الصعبة التي يتعرض لها الآلاف ممن لجؤوا إلى هذا المخيم الحدودي بفعل الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها الجماعات الارهابية في سورية على مدى السنوات الماضية.
يطرح التصرف الأميركي المناقض لأبسط حقوق الإنسان في مخيم الركبان العديد من الأسئلة لعل أهمها السؤال الذي يقول: لماذا تتعمد واشنطن إفشال كل الجهود السورية والروسية المبذولة لحسم قضية المخيم بإعادة سكانه إلى مدنهم وقراهم المحررة من الارهاب، ما دامت قررت سحب قواتها من سورية، ولم يعد ثمة فرصة لإحياء مخططاتها وأجنداتها الاستعمارية الفاشلة في سورية..؟
يقول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في معرض الإجابة غير المباشرة على هذا السؤال.. إن الموقف الأميركي من المخيم يوحي بأن واشنطن بحاجة إلى تبرير وجودها غير القانوني في المنطقة.
ويتساءل الوزير الروسي :كيف يجري تزويد الجيش الأميركي الموجود في منطقة المخيم بكل ما هو ضروري له، حيث تأتيه الإمدادات التي يحتاجها من جهة العراق والأردن، في حين يعاني سكان المخيم ظروفاً صحية ومعيشية صعبة للغاية.
ويضيف لافروف فإذا كنت واشنطن قلقة جداً على المدنيين الذين يعيشون في وضع صعب جدا في المخيم ، فمن المحتمل أيضا أنه يمكنها تزويد هؤلاء اللاجئين هناك بكل ما يحتاجون إليه، وليس من خلال أفراد العصابات الذين يسيطرون على منطقة التنف»..!
وفي هذا السياق اتهمت روسيا الولايات المتحدة باستغلال معاناة النازحين في المخيم لإلقاء اللوم على السلطات السورية وتحميلها مسؤولية ما يجري فيه من أوضاع صعبة، علماً أنها قامت بكل ما يلزم لتخليصهم من الظروف الصعبة التي يعيشونها، وحسب بيان صادر عن مركز التنسيق السوري الروسي المشترك نقلته وكالة سبوتنيك الروسية، فإن واشنطن لا تهتم بالكارثة الإنسانية التي تسببت بها في المخيم وهي تحاول رمي المسؤولية على كل من سورية وروسيا، في حين أن واشنطن تسعى للاحتفاظ بمعسكر النازحين بالمخيم لأطول قدر من الوقت لتبرير وجود قواتها غير القانوني في جنوب سورية.
من المثير للاستهجان هنا أن الأمم المتحدة التي يقع ضمن اختصاصها معالجة مثل هذه الحالات الإنسانية لديها علم بكل الظروف الصعبة التي يعيشها النازحون في المخيم في ظل الحصار الأميركي المضروب حوله ولا تحرك ساكناً، فمن ضمن الانتهاكات التي يشهدها المخيم، وجود عبودية غذائية وحالات من الزواج المبكر وانتهاكات جنسية وسرقة وعنف وجوع ومرض وسوء في مرافق الصرف الصحي بالإضافة إلى نقص حاد في مياه الشرب، وفوق كل ذلك ثمة إرهابيون تدعمهم واشنطن يقومون بالمتاجرة بأوضاع النازحين ويبتزونهم مالياً مقابل السماح لهم بالخروج خارج جدران المخيم.
يقول البيان الصادر عن مركز التنسيق السوري /الروسي المشترك أنه تم تأكيد العديد من الحقائق الخاصة بأوضاع المخيم من خلال صور الأقمار الصناعية، حيث تبين بشكل واضح وجود حواجز أمنية في المحيط، وجدران قوية ونقطة تفتيش مجهزة بشكل خاص ما يجعله أشبه بمزرعة مواشي.
ورغم إجراء استطلاع داخل المخيم أكد أن نحو 95% من النازحين هناك يريدون العودة طواعية إلى منازلهم في سورية، وقيام الحكومة السورية بتأمين ممرات إنسانية للنازحين إلى السلطات الأميركية والجماعات الارهابية التابعة لها حالت دون خروجهم، ما يجعل المسؤولية كاملة على الطرف الأميركي.
باختصار يشكل الوضع الإنساني المتفاقم في مخيم الركبان وصمة عار في جبين مدعي الإنسانية في واشنطن وجبين حلفائها الغربيين، وكذلك في جبين المنظمات الدولية المعنية بالقضايا الإنسانية التي لا تكف عن إصدار بيانات القلق المجاني لا تغني ولاتسمن من جوع، إذ كيف يتم السكوت على تحويل مخيم للنازحين السوريين إلى معسكر اعتقال جماعي تستخدمه واشنطن لتبرير وجودها غير الشرعي على الأراضي السورية وتتستر فيه على ما تبقى من جماعات إرهابية لا تتورع عن ارتكاب أي جريمة تطلب منها بحق المدنيين السوريين في المخيم وخارجه، إضافة إلى استخدام النازحين في المخيم كأداة من أجل الحصول على المساعدات الإنسانية من قبل المجتمع الدولي، وابتزازهم واستغلال ظروفهم الإنسانية الصعبة وعدم استعداد أي جهة لاستقبالهم باستثناء الحكومة السورية التي تعهدت بإعادتهم إلى مدنهم وقراهم وبذلك كل ما تستطيعه بمساعدة الحلفاء الروس لإنهاء معاناتهم الصعبة.
عبد الحليم سعود
التاريخ: الثلاثاء 12-3-2019
الرقم: 16929