لايعرف الكثيرون أن ثمة إبداعا سوريا خالدا أقوى من عاديات الزمن، باقيا ما بقيت الصخور والجبال، فالسوري الذي أهدى العالم الحرف الأول واللون والنوتة الموسيقية، ذاته كان يروض الحجر ويجعله لينا طيعا، فنحت في الصخور برك ماء، وطواحين، وكانت الحواف الصخرية الكبيرة مكانا مناسبا لحفر مقابر سميت (النواويس) وبالعامية النواغيص، وهي منتشرة في سورية، تجدها بالكثير من القرى والأرياف التي حافظت عليها، صحيح أنها لم تستخدم بعد كمعالم سياحية، لكنها مازالت موجودة.
وحسب ما يقوله جمال حيدر إن المدافن الأثرية توفر الكثير من المعلومات حول طبيعة الحياة القديمة وطقوسها والمستوى الحضاري للمجتمعات القديمة موضحا أن أعمال الحفر والإنشاء والتعمير لإشادة الأبنية الحديثة وفتح الطرقات باللاذقية ساعدت على اكتشاف العديد من المدافن والمكتشفات الأثرية في المحافظة، وأهمها اكتشاف مدفن أثري في حي مارتقلا عام 2000 الذي يضم مئات المدافن العائلية التي تعود إلى الفترة الكلاسيكية.
وهذه المدافن كانت معروفة لدى أهالي المنطقة قبل نصف قرن، حيث استخدمت كخزانات للمؤن وتربية المواشي والدواجن، وأخفت معالمها إنشاءات حديثة لتعود وتظهر من جديد في أعمال التنظيم الحديثة للمدينة, وهناك اكتشافات أثرية جديدة تعود للعصر البيزنطي في جبلة.
وغير النواويس هناك المغر التي تعد مقاصد سياحية مهمة جدا ففي سورية وتعتبر مغارة «الضوايات» أشهر مغارة سورية على الصعيد العالمي، وهي من أقدم المغر المعروفة، حيث اكتشفت عام 1914 على يد راعي غنم، عندما سقط أحد خرافه في فتحة ضوء من فتحاتها الطبيعية السبع، ثم اكتشفها العلماء عام 1956، ووصفتها مجلة فرنسية جيولوجية بأنها «أجمل مغارة غير مسكونة في العالم».
سميت المغارة بالضوايات لوجود فتحات في سقفها تدخل منها أشعة الشمس، وهي تقع على مسافة 2 كيلو متر من مصيف مشتى الحلو في محافظة طرطوس، ورغم أن المستكشف منها حتى الآن لا يتجاوز عدة مئات من الأمتار المربعة، إلا أن الخبراء يقولون إنها تمتد عدة كيلومترات تحت الأرض، وتضم نبع «العطشان» ذا المياه الغزيرة والعذبة، وتمتاز الضوايات بمناخ معتدل صيفا ودافئ في الشتاء، وهو ما جعل منها ملاذا آمنا للثوار السوريين ضد المستعمر الفرنسي وملجأ للهاربين من ملاحقة الدولة العثمانية قبل ذلك.
وتعتبر هذه المغارة تحفة فنية أبدعتها يد الخالق عز وجل، حيث تتدلى من سقوفها النوازل (ترسبات كلسية) كما ترتفع من أرضيتها الصواعد والأعمدة الكلسية في تشكيل معجز وخلاب يكاد يخطف الأبصار، فكأنه كريستال طبيعي يمزج الضوء بالسحر، فيقف المشاهد أمام هذا المنظر الرائع وهو مدهوش من روعة ما يرى، ومأخوذ بافتتان بقطرات الماء التي تتدلى على النوازل.
دمشق -الثورة
التاريخ: الخميس 14-3-2019
رقم العدد : 16931