الملحق الثقافي..سلام الفاضل:
تعد عزيزة هارون صوتاً ندياً رخيماً من الأصوات النسائية السورية التي دافعت عن حقوق المرأة وإنسانيتها بعد أن وقعت في براثن العادات والتقاليد الشرقية، كما أنها كذلك رائدة من رائدات الشعر النسوي السوري.
خصصت وزارة الثقافة ندوتها الشهرية الثامنة التي حملت عنوان (سوريات صنعن المجد) للاحتفاء بهذا الصوت النسائي الندي، والكشف عن محاسن شعرها، ومواضع الجمال فيه؛ وقد جاء هذا الكتاب المعنون بـ (وقائع الندوة الثقافية «عزيزة هارون… الشاعرة ذات الديباجة البحترية والنزعة الصوفية الإنسانية»)، إعداد وتوثيق: د. محمد قاسم، ونزيه الخوري، والصادر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، جاء مُتَضمناً وقائع هذه الندوة.
الغزل في شعر هارون
تناولت د. فاطمة تجور في ورقتها الحديث عن (الغزل في شعر عزيزة هارون) فبينت أن شعرها توزع بين العام والخاص، وغلبت عليه الموضوعات الإنسانية الكبرى كحب الوطن، وحب الطبيعة..إلخ. وظهر فيه مواكبته لحركة الحداثة والرومانسية، وكان لتجاربها الخاصة كبير الأثر فيه، فتجارب الحب والزواج المتكرر في حياتها أدت لانكسار البوح العاطفي الذي يتخلله. وأوضحت د. تجور في مداخلتها أن قراءة شعر عزيزة هارون في الحب يشف عن نسق ثقافي أنثوي يتحرك بحياء حتى ليبدو ليناً رقيقاً مهموساً، فالرجل في شعرها تغيب صورته الحسية حتى ليبدو كأنه محرض شعري أكثر من كونه إنساناً حقيقياً، ولغزلها معجم خاص تكثر فيه الألفاظ العاطفية الانفعالية كالدموع والقلب والهجر والشوق، ويغلب عليه البوح الغنائي، والشاعرة في لحظات التوهج العاطفي تحيل إلى السرد أو الحكي بوصفه قيمة مؤنثة، تلوذ بها عزوفاً عن المباشرة وتحرجاً من التصريح.
أصداء الحياة الاجتماعية في شعرها
تركز د. منيرة فاعور في ورقتها التي حملت عنوان (أصداء الحياة الاجتماعية في شعر عزيزة هارون) على جملة من الأمور بادئة الحديث بالتعريف بهذه الشاعرة التي ولدت في حي القلعة في مدينة اللاذقية عام 1923، وتلقت تعليمها فيها. كتبت الشعر وهي لم تتجاوز الثالثة عشرة من عمرها، وتزوجت في سن مبكرة من قريب لها يكبرها بنحو عشرين عاماً، فثارت على هذا الزواج غير المتكافئ وتحررت منه بالطلاق بعد ستة أشهر، ثم تزوجت بالشاعر محمد نذير الحسامي لتفترق عنه، ثم تُزف للمرة الثالثة إلى السياسي قدري المفتي وتنفصل عنه بعد مدة أيضاً، وقد سبب لها هذا الإخفاق المتكرر في الزواج، وخلوه من الإنجاب آلاماً نفسية قاسية ظهرت في أشعارها.
تنتقل د. فاعور بعد ذلك للحديث عن شخصية عزيزة هارون وشعرها الاجتماعي موضحة أن الشاعرة مالت في بواكير شعرها إلى القصائد التقليدية الموزونة التي ما لبثت أن خرجت منها إلى رحابة قصيدة التفعيلة فشكلت تجاربها الشعرية إحدى علامات التأسيس للحداثة العربية.
والمتصفح لشعر عزيزة هارون يلاحظ أن الشاعرة صرفت همها للبحث في غور المجتمع، وتعرية الواقع بقصائد طالت معظم جوانبه المظلمة، منطلقة من حبها لبلدها، وأهله يقودها في ذلك دافع إصلاحي توجيهي. فكان من أهم القضايا الاجتماعية التي تناولتها: الطفولة المحرومة، والإنسان المقهور، وتمجيد الشهيد، ومعاناة المرأة، والفقر…إلخ.
المؤاثرات التراثية
يبين د. ثائر زين الدين في ورقته التي حملت عنوان (المؤاثرات التراثية وتجلياتها في شعر عزيزة هارون) أن حضور التراث العربي أو تراث المنطقة ليس هو الملمح الأبرز في شعر عزيزة هارون، بيد أن القارئ لهذا الشعر يقع على إفادات ذكية من التراث، ويعثر على تعالقات وتناصات واضحة تارة، ومخفية أخرى؛ كأن تستحضر الشاعرة مفردة واحدة أو تركيباً لغوياً ما مستفيدة من طاقتهما الإيحائية التي تصبح عوناً لها في تقديم فكرتها إلى المتلقي، على نحو ما جاء في قصيدة (حبيبة البحر) التي استحضرت فيها الشاعرة اسمين شهيرين في الثقافة العربية وهما: قس بن ساعدة الإيادي، وسحبان وائل. أو على نحو ما جاء في قصيدة (يا شعر أنت رسالة) التي حاولت فيها الشاعرة أن تسترفد أسماء بعض الشخصيات التاريخية (كالرشيد) ليس بدافع فني أو ثقافي، ولكن تحت بواعث قومية ووطنية هذه المرة.
ويرى د. زين الدين أن ما يلفت الانتباه في تجربة عزيزة هارون هما قصيدتان يتيمتان حاولت الشاعرة فيهما أن توظف التراث الإنساني الفني التشكيلي والموسيقي؛ ففي القصيدة الأولى والتي حملت عنوان (بائعة الزهور) تستلهم الشاعرة لوحة فنية شهيرة تحمل الاسم نفسه، دون أن تذكر اسم الفنان. أما القصيدة الثانية والتي حملت عنوان (شلال) فإن الشاعرة كتبتها بتأثير مقطوعة موسيقية كلاسيكية دون أن تشير إلى اسم المقطوعة أو اسم كاتبها، مما حرم المتلقي من إمكانية التواصل العميق مع القصيدة، وأبقاها معلقة في الهواء، قليلة الدلالات، محدودة الفضاءات.
بقي أن نشير إلى أن هذا الكتاب تضمن في الجزء الأخير منه ثلة مختارات من شعر عزيزة هارون، وهو يقع في 168 صفحة من القطع الكبير.
التاريخ: الثلاثاء19-3-2019
رقم العدد : 16935