على وقع انتخابات بلدية يخشى من نتائجها بسبب ارتفاع منسوب الاستياء الشعبي من سياسته الاقتصادية التي أدت إلى تدهور سعر صرف الليرة التركية مقابل العملات الأخرى، عاد رأس النظام التركي رجب أردوغان إلى لعبته المفضلة في تصدير أزماته للخارج لتحسين مستوى شعبيته المنهارة، مهدداً بشن عملية عسكرية جديدة في الشمال السوري بذريعة الخطر الكردي على الأمن القومي التركي، حيث باتت المعزوفة الأمنية اللعبة المفضلة لديه لإسكات صوت المعارضين لسياسته واستقطاب المؤيدين له في الداخل، لكن أخطر ما جاء على ذكره أردوغان هو قوله ( إن أول ما سنفعله بعد الانتخابات هو أن نحل مسألة سورية في الميدان إن أمكن وليس على الطاولة) وهذا مؤشر جديد على تنصله من مسارات التسوية المفتوحة مع كل من روسيا وإيران سواء في آستانا أو سوتشي، ومحاولة التقرب من الأميركي والدخول تحت عباءته مجدداً عبر تفضيل منطق العجرفة والبلطجة والاستعلاء على منطق التفاهم والحوار والتفاوض.
لا يختلف اثنان في أن كلام أردوغان هو كلام محض سياسي غايته شدّ عصب المؤيدين له لقطف نتائج الانتخابات البلدية التي إن خسرها حزبه هذه المرة ستؤثر كثيراً على سياسته المستقبلية في الداخل، وستقلص كثيراً من هيمنته وهيمنة حزبه على القرار الداخلي في البلاد، ومعلوم أن تطورات الحرب في سورية قد أصبحت الشغل الشاغل لأردوغان بحيث لا يفوت فرصة إلا ويتحدث فيها عن سورية، كما لو أنها باتت ملاذه الوحيد للاستمرار في حكم تركيا وتحقيق المزيد من المكاسب السياسية على المستويين الإقليمي والدولي.
لكن ثمة ما ينغص على أحلام أردوغان وطموحاته، فالاقتصاد التركي الذي أصابته فترة انتعاش ونمو في السنوات الماضية عاد لينكمش ويتباطأ بفعل الحرب على سورية وتأثيراتها الاقتصادية، وكذلك العقوبات التي فرضها ترامب على تركيا بسبب قضية القس الأميركي الذي تم احتجازه في تركيا وكذلك الموقف من الأكراد في شمال سورية، تؤكد صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية أن تقلبات الأسواق التركية تمزق صورة أردوغان في الداخل، تقول الصحيفة في تقرير أعدته عشية الانتخابات البلدية التركية (تضفي تقلبات العملة التركية مزيداً من الإحساس بالكآبة الاقتصادية في تركيا عشية الانتخابات، وليس غريباً على أردوغان أن يلقي باللوم على القوى الغربية في تدهور عملته الوطنية).
وبينما تأرجحت الليرة التركية بعنف قبل أيام قليلة من الانتخابات المحلية الحاسمة، لجأ أردوغان إلى إبداء رد الفعل السابق اختباره وتجربته، إذ شن حملة شعواء ضد القوى الأجنبية، متهماً إياها بشن هجمات مزايدات مالية ضد مصالح تركيا. وقال أردوغان للناخبين الخميس الماضي: (إن كل هذا هو عملية للضغط على تركيا من قبل الغرب).
تضيف الصحيفة (ولكن الشخص، الذي يشعر بأكبر قدر من الضغط هو أردوغان نفسه، وذلك لأن مصداقيته ترتبط بعملة تركيا، وهذا يفسر سبب بذله قصارى جهده هذا الأسبوع في محاولة غير تقليدية للحفاظ على استقرار الليرة قبل الانتخابات.
كما اهتزت صورة حزب (العدالة والتنمية) الحاكم، وسجل تراجعاً في استطلاعات الرأي والتأييد له بفعل تراجع الاقتصاد، وسط انكماش حاد في معدلات النمو، وارتفاع جامح لأسعار المواد الغذائية، وتزايد معدلات البطالة بعد انهيار العملة المتوالي منذ عام 2018.
يضيف خبراء أنه بعد انتخابات الأحد ينتظر المستثمرون في تركيا من أردوغان وصهره وزير المالية أن يقدما تأكيدات، على نحو عاجل، بأنهم سيركزون على إصلاح الاقتصاد التركي على المدى الطويل، بدلاً من الحلول المؤقتة قصيرة الأجل التي يقدمانها لاستقطاب الناخبين.
لكن شعوره بالعجز إزاء إصلاح الاقتصاد التركي يلجئه مجدداً إلى ملف الأكراد في شمال سورية والعراق، والتهديد بعمليات عسكرية وما إلى ذلك، لحرف النظر عن سياساته الفاشلة في الداخل وهو نفس السلوك الذي يتبعه نتنياهو أي تصدير الأزمات للداخل.
تؤكد مصادر مطلعة على الجو الانتخابي في تركيا عموماً أن مدينة اسطنبول تشكل عقدة مزمنة لأردوغان بعد أن خسر فيها قبل عامين استفتاءً حول إقرار نظام رئاسي جديد، حيث صوتت العاصمة الاقتصادية بـ (لا) وهذا ما دفعه للقول خلال الحملة الانتخابية الأخيرة (إذا تعثرنا في اسطنبول، فسوف نفقد مكانتنا في تركيا).
يقول مسؤولون في حزب (العدالة والتنمية إن أردوغان يخشى من أن تؤدي الهزيمة في اسطنبول أو في أنقرة حيث ينشط الحزب القومي المناوئ لأردوغان، إلى خلق فجوة كبيرة في شعبيته وشرعية نظامه الرئاسي، يؤكد أحد المسؤولين في الحزب: (أردوغان قلق، لأننا إذا ما خسرنا الانتخابات، فربما تكون هناك احتجاجات في الشارع). وقال آخر إن تأمين أقل من 50 بالمئة من الأصوات الوطنية ربما يثير تساؤلات حول (شرعية) النظام الرئاسي الجديد.
عبد الحليم سعود
التاريخ: الأثنين 1-4-2019
رقم العدد : 16945