ثورة أون لاين – د. خلف المفتاح
كان للفكر الاستشراقي دور كبير في تشويه صورة العرب والمسلمين في الوعي الجمعي الغربي وبالتالي تشكيل صورة نمطية سلبية في المتخيل الغربي العام عن دينهم وسلوكهم والاخطر من ذلك اظهارهم بمظهر الحاقد والناقم على الغرب وثقافته وحضارته والسعي لتدميرها .
وعلى الطرف الاخر كانت صورة الغرب عند شعوب منطقتنا هي صورة المستعمر والغاصب الذي تعزى اليه كل اسباب التخلف والجهل والتمزق التي اصابت الامتين العربية والاسلامية خاصة خلال القرنين الماضيين وسعيه ودأبه لافشال اي مشروع وحدوي او نهضوي سواء كانت عناوينه قومية او دينية وزاد من هذه الصورة السلبية دعم واحتضان الغرب للكيان الصهيوني وتحالفه التاريخي مع انظمة استبدادية وفاسدة لم تستطع ان تحقق لشعوبها حدا ادنى من الشروط الوطنية في اطار ممارسة الحياة الديمقراطية والمواطنة الحقة اضافة الى متلازمة الفقر والجهل والتخلف بمعنى ادق لم يكن الفارق كبيرا من حيث الحاصلين السياسي والاجتماعي بين الاستعمار وانظمة هي صنيعته وكثيرة الشبه به .
هذا المشهد المركب والمتناقض في آن معا تم استثماره بوسائل وخطابات متعددة وعبر عملية حقن ثقافي و تحريض مدروس باتجاه الغرب الذي اصبح الشماعة التي علقت عليها كل اسباب مصائب الشعوب ومعاناتها من تجزئة وفقر وظلم وغيرها وضمن تلك البيئات والخطابات التحريضية والتعبوية واستثمار الوقود الديني وغيره من اشكال اثارة العصبيات ولدت تنظيمات تحت عنوان السلفية قدمت نفسها على انها تمثل حالة الدفاع عن الاسلام والمسلمين امام كل ما تعرضوا له من اشكال العسف والظلم والعدوان ووجدت هذه التنظيمات بيئات ودول وقوى حاضنة لها في اكثر من مكان في العالم الاسلامي وبعض دول الغرب .
وبعد احداث الحادي عشر من ايلول وجدت بعض القوى الاستعمارية والصهيونية تحديدا اضافةللمسيحية المتصهينة فرصتها في اعلان الحرب على ما سمي الارهاب الاسلامي تحقيقا لمصالح استراتيجية مرتبطة اساسا بقوى راسمالية تمثل التحالف بين المجمع العسكري الامريكي وشركات النفط والغاز اضافة للصهيونية المسيحية المتجذرة في الاوساط الدينية والثقافية والفكرية والاعلامية والتي تسيطر على اغلب مراكز الدراسات الاستراتيجية في الولايات المتحدة الامريكية والتي تعتبر الخزان المنتج و المصدر للساسة والمصنع لقادة الاحزاب في امبراطورية العم سام .
وامام الضخ الاعلامي والحقن الثقافي والتحريض على الاسلام في اوساط صناعة الرأي العام في امريكا والغرب عموما اضافة لاستثمار ما قامت به بعض التنظيمات المتطرفة في اكثر من مكان في اوروبا وامريكا وغيرها من دول العالم ونسبته للاسلام كدين بهدف خلق مناخ من الكراهية في دول الغرب للاسلام والمسلمين جاءت الرسوم التي نشرت في بعض الدول الاسكندنافية قبل عدة سنوات وما مثلته من اعتداء على الضمير الجمعي للشعوب الاسلامية وعدم احترام معتقداتها ومشاعرها الايمانية لتصب الزيت على النار وتؤجج من مشاعر الكراهية وتخصيبها عند مئات الملايين من المؤمنين على مستوى الساحة العالمية تجاه القوى الغربية وما لذلك من انعكاس وردود فعل سلمية وعنيفة جرى استثمارها بما يزيد من الهوة بين ابناء الثقافات والانتماءات المختلفة ويساهم في بناء جدران واسوار من العداء والبغضاء بينهم وهنا تتحقق مصالح تلك القوى التي اشرنا اليها سابقا والمتمثل بخلق مناخ من العداء بين اصحاب الديانات السماوية ما يوفر اسبابا لصراعات وحروب لا نهاية لها المستفيد الوحيد منها هو القوى الرسماليةالتي تستثمر في عولمة متوحشة .
ان ما يجري اليوم من استفزاز لمشاعر المسلمين وردود الفعل باشكالها المختلفة على ذلك يعيد الى طاولة النقاش والسجال الفكري والعراك الثقافي ما طرحه المنظر والمفكر الامريكي صموئيل هاتنغتون في متابه صراع الحضارات ان لم نقل اعادة تظهير واستثمار لمقولاته وهنا يصبح من واجب الجميع وخاصة في الغرب سواء كانوا نخبا سياسية او فكرية ادراك حجم المخاطر التي يمكن ان تتعرض المصالح الغربية والامن الاستراتيجي لدول الغرب عموما ان استمرت مثل تلك الاعمال وعدم وضع حد لها عبر ضوابط قانونية فالادعاء بحرية التعبير لا يصلح اساسا لتبرير ذلك لان حرية الشخص والجماعات تنتهي عندما تبدأ حرية الاخرين والعكس صحيح فكيف ان كان حرية شخص في التعبير تنتهك مشاعر مئات الملايين من البشر وتضر بمصالح دول وشعوب وتهدد سلامتها فهل المصلحة الفردية تتقدم على المصالح الجماعية وهنا نذكر الامريكيين وغيرهم انهم تحت عنوان المحافظة على الامن القومي الامريكي اوقفوا العمل وجمدوا الكثير من القوانين التي تتعلق بالحريات الشخصية ومنها الانتقال والاتصال ومداهمة دور السكن والتنصت على المكالمات الهاتفية ووضع اجهزة المراقبة الالكترونية في الاماكن العامة وحتى الخاصة ناهيك عن قوانين تحرم التعرض للمحرقة وكل ما يمكن توصيفه بانه عداء للسامية .
ان التذرع بحرية التعبير بهدف الاساءة للمسلمين ونبيهم لم يعد مقبولا عند احد سواء كان مسلما او مسيحيا لان ذلك يشكل سابقة يمكن لاي كان سواء كان شخصا او تنظيما او دولة ان يستغلها بهدف الاساءة للغير والاكثر من ذلك يمكن استثمار المشاعر الدينية المتأججة لتكون وقودا لصراعات وحروب لا نهاية لها ولا طائل منها الرابح الوحيد فيها هم تجار الحروب ومستثمري النزاعات والصراعات الدولية .